وفي كتابه نرى كيف يختار الوقت والمكان اللذين إذا عبر فيهما يكون اقرب إلى الخير منه إلى الشر، وكيف يدعو الله قبل سماع الرؤيا لجلب الخير ودفع الشر وتأكيده في كتابه بان على المعبر أن يختار الكلام المبشر بالخير، لان أول تعبير في نظره هو الذي لابد من وقوعه
إذن فالإيحاء هو الذي أوجد الفرق بين ابن سيرين وفرويد، ففي رؤيا ابن سيرين التي قال فيها لصاحب الخاتم أنك ستتزوج امرأة جميلة غنية لو قصت هذه الرؤيا على فرويد لقال لصاحبها إن عندك رغبة في أن تتزوج بالمرأة الجميلة الغنية التي تعرفها. وفي رؤيا ابن سيرين التي قال فيها لصاحبتها إن زوجها سيحضر لأن اسكفة الباب العليا قد اجتمعت على أسكفة الباب السفلى لو عرضت هذه الرؤيا لفرويد لفسرها بأن الزوجة عندها رغبة في رجوع زوجها، وربما قال لها كثير من ذلك لما في اجتماع رمزي الزوجين من معان. والفرق واضح بين الطريقتين، فكلمة ستتزوج تحمل الرغبة في الزواج والإيحاء بالزواج في نفس الوقت، ولما كان الناس يعتقدون في ضرورة تحقيق التعبير فان ذلك الرجل الذي أوحى إليه بالزواج لابد انه سيتزوج ويكون بذلك قد حقق لابن سيرين تفسيره.
وهكذا يتبين لنا أن فرويد قد أدخل تعديلا مهما على تعبير الاحلام، فهو يسأل صاحب الرؤيا عن نفسه وهو يفك الرموز بطريقة ابن سيرين، ولكنه لا يوحي إلى صاحب الرؤيا بأي فكرة بل يكتفي بإظهار الرغبة النفسية الخفية له، ويقول إن إظهار هذه الرغبة كاف لأن يفكر صاحب الرؤيا في رغبته فيتناولها بالنقد والتقدير، وبذلك فقط قد يوافق على رغبته وينفذها إذا لم يكن هناك مانع عائلي أو اجتماعي وإلا فانه يكبت هذه الرغبة أو قد يسمو بها، وهذا ما يسميه فرويد أي أنه يوجهها وجهة شريفة سامية، وبقى علينا أن نجيب على سؤال واحد وهو هل تدل الرؤيا على حوادث المستقبل؟ والجواب على ذلك هو أن الرؤيا قد تدل على المستقبل في بعض الأحيان. وأما كيفية ذلك فسنخصص له بحثاً آخر فيها بعد، بعد شرح أقسام العقل المختلفة التي تعتمد رؤيا المستقبل عليها.