للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لحظة قصيرة ولم يقصف تلك الحياة لكنك ضننت بها أيها القاسي الظلوم!

- لست قاسياً يا سيدتي ولا ظلوماً. ولو كنت أملك أمر بقاء مشلينيا دقيقة واحدة لأبقيته لك عن طيب خاطر

- لو كنت تملك؟ ومن غيرك يملك؟

- لا تحمليني يا سيدتي هذه التبعة!

- جميل أن يتنصل خالق من تبعة خلقه كل هذا التنصل!

- آه، ما أظلم الإنسان! وما أحوج الخالقين إلى الرحمة والرثاء في هذا الوجود

- نحن الظالمون وهم المظلومون. . . شيء بديع!

- إنكم تحملونهم التبعات وترمونهم بالظلم، وهم براء من كل صفة من هذه الصفات. فلا ظلم ولا عدل، ولا قسوة ولا حنان، ولا غضب ولا رضى، تلك عواطف لا يعرفونها ولا يشعرون بها. ولو أصغى إله لصوت آدمي لانحل الكون في طرفة عين، كما تنحل قصة أهل الكهف لو أني أصغيت إلى شخص واحد من أشخاصها! فأنت تريدين أن أؤخر موت مشلينيا دقيقة، ولا تعلمين أن هذه الدقيقة الواحدة كانت كفيلة أن تغير وجه القصة وتقلب مصير الأشخاص وتلقي عناصر الفوضى في العمل كله. كلا يا سيدتي. إني لم أرد موت مشلينيا ولم أرد بقاءه، ولم أحب ولم أكره، ولم أظلم ولم أعدل، إن الخالق لا يمكن أن يخضع لغير قانون واحد: (التناسق)

فكيف لا يعرف الخالق الذي يحدثنا عنه الأستاذ الحكيم الظلم والعدل والقسوة والحنان والغضب والرضى وهو الذي خلقها؟! وكيف لا يشعر بها وهو يتصف بأكثرها؟ أو أن هذا الذي يصفه الأستاذ طراز من الخالقين طريف: اختصاصه الأبدان وليس من اختصاصه العواطف!

وكيف يجهل هذا الخالق المفاجآت ولا يحسب حساب الظروف وطارئ الطلبات، والمخلوقات يعرفونها ويعدون لها ما استطاعوا من عدة؟! أفينحل الكون العظيم لو أجاب الخالق دعاء إنسان يطلب شيئاً معقولاً هيناً على القدرة الإلهية؟!

وما عزاء المتدين عن مصائبه إذا لم يكن له أمل في رحمة الخالق وفي نعمة الجنة؟ إذن ما أضيع المخلوق!

<<  <  ج:
ص:  >  >>