وما هذا التناسق الغريب الذي لا يكون إلا مركباً من نسبة من الشر لا تنقص؟! فكيف إذن يكون الحال في الجنة التي لا شر فيها، ألا يكون فيها تناسق؟! كذلك القصص التي ليست مآسي، هل انعدم التناسق فيها؟! فإن يكن المراد (التناسق الذي يقتضيه الحال) فأين إرادة الخالق واختياره؟! وكيف يكون خالقاً من ليست له إرادة ولا اختيار ولا تدبير فيسيطر عليه المقام والسياق والاتفاق! فقد يسوقه التناسق فينساق فيكتب في لوح القدر تراجيدية أو درامة أو كوميدية. . . ثم هو بعد ذلك خالق وله قدر!
وقد انتهى دور أفلاطون في مسرح الدنيا، لكن ديكنسون استطاع أن يهيئ له مرة أخرى دوراً في محاورته (بعد ألفي عام) وهي حوار بين أفلاطون وبين شاب عصري كذلك أسدل الستار على حياة فولتير وواشنطون ونابليون، لكن مادارياجا أنطقهم وبعثهم في الخيال المسطور في (ساحات الفردوس). وقد رقد المعري بعد سهاد دنياه ولكن الأستاذ العقاد أيقظه ليسجل في صفحات (رجعة أبي العلاء) أنباء رحلته في هذا العصر في الدنيا الحديثة. هذا وإن كان الأستاذ العقاد قي استصوب كلام الأستاذ الحكيم في (كناشة الأسبوع) بقوله:
(وهذا كلام جميل أصيل لا يحل به المؤلف مشكلة بريسكا وحدها ولا مشكلة الفن وحده، بل لعله يحل به مشكلات كثيرة، ويكشف به أسراراً كثيرة، من مشكلات القدر وأسرار الوجود)
لقد أراد الأستاذ الحكيم أن يفسر القدر في القصص فنظر إلى القدر في الوجود فلم يوفق إلى حقيقتهما معاً حيث وفقت شارلوت برونتي إلى تفسير أقدار القصص برأي معقول. وللحكيم العذر في إخفاقه لأنه سلك سبيل القدر الإلهي، وهو عصي على الإفهام
شجعني على إبداء هذه الملاحظات على (سُنَّة) الأستاذ الحكيم في (مخلوقاته) الروائية، أنه (خالق) لا يعرف الغضب ولا يشعر به، وأني لست مخلوقاً روائياً فأدخل في اختصاصه. . .