أستاذ أديب وكاتب أريب، لا أظنه يخدع عن غث القول وسمينه. ولما رأيته يتناول القصة في أول ما قاله بالثناء زدت عجباً، إذ كيف تكون تلك القصة جديرة بتقدير أديب كبير، ومع ذلك تجد من سائر الأدباء مثل هذا الإهمال. وكيف لا تستحق من الأدباء كلمة وقد استحقته من مثل الزيات كلاماً، حسبي إذن اندفاعاً مع هزة الطرب التي استخفتني، وذهبت باتزان قولي عندما قرأت مقال الرسالة في قصتي، فقد كنت أوثر أن الزم القصد في قولي، ولولا أن رأيت شيئاً لم أتوقعه فانطلق قلمي برغمي.
حسبي إذن لوما للأدباء والأساتذة، فلعل لهم العذر فيما كان، ولعلي أخطأت فهم قصدهم وعذرهم فما أكثر مشاغل الحياة وما أثقل أعباءها، وأولى بي أن آخذ الناس كما أجدهم ولا أعتب على أحد منهم شيئاً.
أما شعر المرسل فقد رأيت الأستاذ الجليل قد وضعه تحت ضوء قلمه الوهاج فأعشى وهجه العيون وكاد يحجب ما دونه. لا فائدة هنا في أن يدافع أحد عن أسلوب من القول، ولا فائدة في أن يحاول حمل الناس على تذوق ما يحلو في ذوقه، فهذا شيء من العبث وضرب من طلب المحال، غير إني أرى من حقي أن أبين للناس كيف يجب أن يكتب الشعر المرسل الذي كتبت فيه قصتي (خسرو وشيرين) فان وحدة هذا الشعر هي الشطر الواحد، وليس البيت المكون من شطرين.
لقد تعارف شعراء اللغة العربية على وحدات متعددة لشعرهم، فأكثر القصيد وحدته البيت المكون من شطرين كما هو معلوم، والرجز وحدته الشطر الواحد مع مراعاة انتهاء كل وحدتين منه بقافية واحدة، وهناك المثلثات والمربعات والمخمسات على ما هو معروف. وأما الشعر المرسل فوحدته كما تقدم الشطر الواحد. وأما حكمة ذلك فلا فائدة من بيانها. فان اختيار أوزان الشعر المرسل واختيار جعله من شطرات مفردة لم أصل إليها إلا بعد درس واختبار ومحاولات تجريبية كثيرة. غير أن بيان أسباب ذلك الاختيار لا يجدي نفعاً، إذ أن تلك الأسباب مهما تكن وجيهة فإنها لا يمكن أن تحمل الناس على استحسان شيء لا يبدو لهم مستحسناً.
ولهذا أكتفي بأن أقول إن من يحاول أن يكتب الشعر المرسل أو يقرؤه يحسن به أن يجعل وحدته الشطر الواحد، وان يكتفي بما في الوزن من الموسيقى بغير ان يقف عند آخر