إن النهر ألقى على زمام القرية غريقين وجدا عند الطاحون. . . وجاء الطاحون وقال لي: يا عمدة أبعدهما عن أرضي. . . فأنا العمدة أرجو من عزتكم بإخباري بما أفعل. . . إن الناس يشيرون بدفنهما، ومن رأيي ذلك، فأرجو صدور التعليمات اللازمة)
هز الكاتب رأسه وقال: (من المستحيل إرسال هذا الخطاب فإن لهجته غير رسمية)
قال العمدة في نفسه: (غير رسمية؟ وماذا يكون الخطاب الرسمي إذن؟)
تناول الكاتب الخطاب وقال: إن في المركز موظفين محترمين ولن يعجبهم خط هذا الخطاب
قال العمدة: ولماذا لا تكتبه أنت؟ أليس وجودك هنا من أجل هذا الغرض؟
فقال الكاتب: نعم، عفواً يا حضرة العمدة، الأفضل ترك هذا التقرير مؤقتاً
ثم قام الكاتب فجلس أمام العمدة ووضع القلم في سنَّا جديداً وبدأ يكتب. ووقف العمدة في وسط الغرفة يتأمل في خط كاتبه والمتشرد متبلد في مكانه يراقب هذين الموظفين، وكان وجه الكاتب مخضباً بالاحمرار لزهوه وتحمسه وثقته بأهمية نفسه
وانتهى من كتابة الخطاب فوقف وأخذ يتلو خطابه مرتلاً كما لو كان يقرأ قصيدة من الشعر، وكان العمدة يصغي وهو معجب بهذا الأثر الرسمي البديع، ثم قال وهو يعبث بأظافره في شعر رأسه: يجب أن تذهب الآن إلى الطحان
وأدخلا المتشرد في سجن (الدوار) وذهبا فقادهما الطحان إلى مكان الغريقين عند حافة الماء، فلم يريا على وجهي الجثتين ما يدل على أثر جريمة، بل كانا يظهران كما يظهر وجها نائمين يحلمان ببعض أحلام الحب، وبدأ الكاتب يهز رأسه الضيق الجبين وقال: يظهر لي أنها جريمته هو
فقال العمدة: بل هي جريمة الشيطان
وقال الطحان: اسمح لي يا حضرة العمدة أن أقول إنه لا يمكن أن نعرف جريمة من هذه
وانتهت المحادثة والتحقيق عند هذا الحد، وعاد العمدة والكاتب إلى القرية، وقال الأول: ألا يستطيع الإنسان أن ينعم بيوم راحة؟ عندنا الآن متشرد حي ومتشردان ميتان، فكيف ننتهي من أمرهم؟
فقال الكاتب: لقد كانت الأمور كلها تسير سيراً حسناً لولا اضطرارنا إلى مخابرة السلطات،