فما مضت على إعلان الحرب أيام حتى راح المذيعون وكتاب الصحف في ألمانيا وإيطاليا يزعمون أن برناردشو يائس من مصير الحرب متنبئ منذ الآن بهزيمة الإنجليز
فلما سئل في ذلك قال: إن القوم يتملقونه إذ يشجعون قلوبهم بكلامه، ولعلها في حاجة إلى تشجيع!
وحاول بعض خبثاء الصحفيين أن يصوروه وهو في خوذة الوقاية فأبى أشد إباء
وأحبوا أن يلذعوه بالتسوية بينه وبين ملاكم مشهور، فقالوا له: إنك وذلك الملاكم لثروة وطنية، ومن واجب كل منكما أن يحمي رأسه بخوذة!
فقال: بل عليه - إذا شاء - أن يحمي يديه بقفاز. . . وسألوه: أين تنام إذا سمعت نذير الغارة؟ فقال: حيث ينبغي أن ينام كل إنسان في الفراش!
وقيل له مرة: أليس من رأيه أن تقصر الغارات على الأهداف العسكرية؟ فقال: إن مراكز الحكومة محسوبة من الأهداف العسكرية، ولكنها قصدت مرة فأصابه هو تحطيم نافذتين وطارت الغارة بإفريز من باب ردهته
وليس من الضروري أن يظفر محدثو برنارد شو بجواب، ولكنهم يظفرون لا محالة بجواب لاذع أو جواب ساخر أو جواب يجمع بين الصراحة والروغان، والمقصود هو جواب من شو كيفما كان السؤال أو الجواب!
وفي إنجلترا كتاب عالميون غير هؤلاء مثل موام وبريستلي وهكسلي وجود وطائفة من هذه الطبقة المقدمة بين الكتاب الأوربيين
فأما موام فقد كان في باريس منذ نشبت الحرب الحاضرة وهو في خدمة وزارة الاستطلاع كما كانت في الحرب الماضية. ثم صدر إليه الأمر بالعودة إلى وطنه عندما خيف سقوطها فعاد مع ألف وثلاثمائة من اللاجئين الإنجليز في سفينة فحم قذرة طافت بهم عشرين يوماً بين فرنسا والجزائر وجبل طارق حتى وصلت إلى الجزر البريطانية، ولم ينس وهو يتجاوز السادسة والستين ويعاني متاعب السفر وقلة الزاد وخطر القبض عليه في تلك السفينة الهائمة أن يحصي ما تعوده من إحصاء النقائص الإنسانية ويحدثنا عن السيدات كيف حرصن على صبغة الشفاه والأظافر وهن بين الفحم والشحم ولا ناظر إليهن غير الجائعين الخائفين من أولئك اللاجئين الذين كانوا لا يفرغون من تهديد غواصة حتى