ومن عداهم فهو إما طالب علم لم يبلغ هذه الدرجة، وإما متشبه بهم في المقال والأفعال، وإما مكتف بشهرة علم آبائه، البعض من هذا القسم قد ظن أنه وارثه، فتصور وتطور بما ليس فيه، وإما صاحب دعوى عمداً أو مع غفلته عن ذلك وإن جل في أعين العوام، وعلامة عدم صحة ذلك له الامتحان، وإما مكتف بتصوره بصورة العلماء، وتلبسه بزيهم، وكونه يركب بغلة على سجادة، وإما بشهرته بذلك بين بعض العوامِّ الذين هم كالهوامِّ، وإما بدعوى الديانة والصلاح، وإما بشقشقة اللسان بما تعورف بين العلماء، فيظنُّ أنه على شيء في صنعة العلوم، وإما بزخرفة الكلام والتنكيتات، والدعابة والهزليات، وعنده في ذلك لكل مقام مقال، وإما بنحو ذلك)
وهذه الخاتمة أهم ما في هذه الرسالة، لأنها ترينا كيف وصل حال الأزهر في عصر صاحبها إلى ذلك الاختلاط والاضطراب والتلبيس، حتى صار كل من يركب بغلة على سجادة عالماً، وحتى صار العلم فيه ينتسب إليه بالوراثة، لا بالجد في الطلب، والاجتهاد في الدرس والتعليم، بل نزل قدر العلم إلى أن صار يحشر في زمرة العلماء من يجيد زخرفة الكلام والتنكيتات والدعابة والهزليات، ولا يعلم إلا الله كيف كان مصير الأزهر في هذه الوهدة التي تردى إليها لو لم يتداركه المخلصون من أبنائه بهذه النهضة الأخيرة، فيقيلوه من عثرته، ويقضوا على ذلك اللبس والاضطراب فيه.
ولا شك أن هذه الرسالة بضعف أسلوبها، وبعجزها عن القيام بما حاولته من الترجمة لرجال عصرها، تمثل الأزهر في ذلك العصر أكثر مما تمثل تلك الشروح المنسوخة، والحواشي المنقولة في العلوم الدينية والعربية التي ألفت فيها، فالنقل عمل سهل لا يكلف شيئاً، وليس كالعمل المخترع في دلالته على القدرة وحسن الاستعداد
ولم يكن لي بعد هذا بد من تسجيل كلمة عن هذه الرسالة الصغيرة في مجلة الرسالة الغراء، ليكون لنا فيها عظة وعبرة، ونعلم فضل حاضرنا على ماضينا، فلا نسمع لمن يحاول النيل منه، ويحن إلى ذلك الماضي مفضلاً له. ومن جهل ماضيه لم ينتفع به في حاضره ومن علمه أيا كان أمره كان له منه العظة النافعة، أو القدوة الحسنة.