للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يسطرون أسجل هذه الكلمات: عنيت الحكومة المصرية كما عنيت سائر الحكومات بتدبير معاشات الموظفين، بحيث يجد الموظف ما يقتات به بعد بلوغ الستين، ولكن الحكومة نسيت أو تناست أن في الأمة رجالا لهم خدمات صوادق وليسواموظفين فليس لهم معاش، وهم الرجال الذين انقطعوا للصحافة والتأليف؛ فالأستاذ فلان خدم الصحافة نحو عشرين سنة ثم هده التعب، فهو اليوم يعاني البطالة والمرض بلا عائل ولا معين. والأستاذ فلان أخرج طائفة من المؤلفات الجياد، وكان يعيش عيش الفقراء من تلك المؤلفات، وهو اليوم لا يقدر على التأليف، فهو في فقر مدقع ولا يسأل عنه أحد من أصحابه القدماء. وفلان كانت له سابقة في الابتكارات الأدبية، وهو اليوم معوز لا يجد القوت الطفيف. وفلان قضى شبابه وكهولته في التدريس بالمدارس الحرة ثم قصمه المرض فخرج بلا معاش وله أطفال يصرخون من الجوع في كل صباح وفي كل مساء وعند هذه الكلمة شرقت بدموعي، وكاد صوتي يرتفع بالنحيب، فصاحت الظبية:_تبكي وأنا معك؟ هل تقص ما كان بيني وبينك؟ ويلي عليك وويلي منك!! _نعم، يا شقية، هي قصة حبي، فدعيني أدون كل شيء! ثم مضيت فكتبت والدولة التي تنفق ما تنفق على مختلف الشؤون لا تذكر أن في مصر كتابا وشعراء وباحثين أعجزهم المرض عن السعي في سبيل القوت، ولهؤلاء آثار ظاهرة أو خفية في نهضة الأمة وقد يكون لهم تلاميذ_ولو بالفكر_من بين كبار الوزراء فما الذي يمنع من أن تفكرالدولة في حماية هؤلاء من قسوة الاحتياج ثم سكت، فقالت الروح: هل وصلت في مكايدتي إلى ما تريد؟ فقلت: ستعلمين بعد لحظات! ثم كتبت: قد يقال إن الدولة لا تستطيع معاونة أهل الأدب بصفة رسمية، لأن الأدب ليس له رسوم ولا حدود، وهو مباح الحرمات يدعيه من يشاء! وأجيب بأن الدولة تستطيع أن تجعل الفصل في هذه القضية من اختصاص مدير الجامعة أو وزير المعارف ومن المفهوم أن هاتين الجهتين لهما دراية صحيحة بأقدار الأدباء والباحثين، وأنا أرضى بأن ترصد الدولة مئتي جنيه فقط في كل شهر لعشرين رجلا من هؤلاء، فإن استجابت الدولة لدعائي فقد ترفع عن كاهلي عبئا ثقيلا جدا، هو عبء التفكير في أديب كانت له جولات موفقة في ميدان البيان، وإن كان من ألد خصومي وغلبني الحزن فبكيت، فقالت الروح: يظهر أنني دللتك أكثر مما يجب، فعدت أسرع من الأطفال إلى البكاء! فاستمهلتها لحظة وكتبت: والدولة مع ذلك. . . ثم

<<  <  ج:
ص:  >  >>