للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الطبيعة تنتظر - عالم جديد من الفكر والحديد_حيوانات ووحوش حديثة_قدرة الفكر_الثقة بالانسان_كنوز مدخرة_حياة مريضة كل شيء في الطبيعة يبدو عليه أنه ينتظر غاية الحياة الإنسانية. . . ويبدوعلى الإنسان كذلك أنه ينتظر غاية مجهولة في حياته على الارض. . . كل شيء ينتظر بلوغ الإنسان إلى غايته، كما ينتظر كبار البيت بلوغ طفل عزيز. . . وكل شيء في البيت مسخر للطفل: يضحك له إذا ضحك، ويألم إذا تألم، وتعرض أمامه دواب البيت وحيوانه ودواجنه ولعبه وهكذا الطبيعة أراها تنتظر صابرة غير متململة أن يسير هذا الطفل الإلهي ويهتدي إلى الطريق المقصودة المرصودة. . . وهو لا يزال يتعثر ويذهب ذات اليمين وذات الشمال ويرتد وينتكس ويعترك ويحترب ويخلد إلى تراب الطريق يعبثفيه في ذهول وغفلة، لا يعرف كيف يمد بصره إلى حدود الأفق البعيد الذي يناديه: أنظر إلي دائما، واضرب بيديك ورجليك في العقبات والسدود حتى تصل وكان لعبثه عذر فيما مضى أيام كان يدور على نفسه وسط المبهمات والألغاز، وأيام كانت طريق حياته بهماء معتمة تلفها جهالات وتحيط بها أهوال. . . كل ما فيها غامض مغلق، سواء أكان جامدا أم صائتا أم ناطقا أم ساكتا. . . فهو لا يرحم سئلا ولا يجيبه. . . كهوف وأغوار ورياح مجهولة المهاب، وأمطار غير مدفوعة بتدبير، وصرخات وحش وطير وبهائم، ونجوم تطلع وتغور، وشمس تشرق وتغرب، وجبال واقفة لا تريم ولا تزول، ومالا عدد له من الأهوال والأحوال. ولكنه الآن راكب الريح والماء والأثير وطاوي الأرض في خطفات، ورائد السماء بالمقربات، وكاشف الجن المستور بالمكبرات، وقايس أبعاد النجوم وأضواءها بدقيق المقايسات، وصانع الحيوان والوحوش الحديدية من السيارات والدبابات والمدافع والطائرات والباخرات والغائصات، فلا يليق به أن يصر على العبث والزحام على التراب بعد رأى الكنوز في كل أفق تتفتح لعينيه وكان قدرا مقدورا أن تبقى العناصر والحيوانات خادمة له حتى يبلغ أن يستغنى عنها بما يصنعه تقليدا لها ومحاكاة لنماذجها. . . فحين عجز الحصان وضاقت طاقته عن إشباع شهوة السرعة عنده ركب آلات سرعتها كذا ألف من الأحصنة. . . وحين عجز الزيت والشمع عن إشباع شهوته للضوء صنع مصباح الكهرباء فأضاء له بقوة كذا ألفا من الشموع. . . وحين هدد بفناء أقواته ولباسه ابتدأ يركب أقواته من العناصر التي يتركب منها النبات واللحم. . . وصار يصنع الصوف

<<  <  ج:
ص:  >  >>