للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والحرير من اللبن والخشب. . . وصار يأخذ الزبد والدهن من ال. . . بعد أن يحلل ويعزل ويطهر بالترشيح والتبخير والتكثيف كما ترفع الشمس والهواء الغازات والأمواه المقطرة من الأبوال والأقذار وتعيدها إلى الأرض صالحة في دوراتها الأبدية. . . وقد رصد لكل قوة في الطبيعة مقياسا يقيس قوتها ويبين اتجاهها حتى يحترس منها ويتقي وينتفع. . . فللأمطار مقياس، وللضغط الجوي مقياس، ولاتجاه الرياح مقياس، وللزمان مقياس، وللمكان مقياس، وللحرارة والرطوبة وغيرهما مقاييس وأظنه بهذا قد وضع عينه وفكره على حركة كل شيء واتجاه كل شيء في المادة. وذلك كله بمثابة خيوط الشبكة الحديدية التي ابتدأ يطرحها على قوى الطبيعة التي تنفعه أو تضره في مرافق حياته. . . وهذه الأرصاد التي أرصدها لابد ستنتج له عالما فكريا جديدا يسلم روحه إلى عالم خلقي جديد وأعتقد أن هذه الحرب ابتداء دورة زمنية بالإنسان وبعوالم فكره وروحه وجسمه. فليرصد الراصدون ذلك في يقظة وانتباه أجل، إنه عالم جديد من الفكر والحديد. . . الفكر المطلق البارد القانص لأسرار المادة والقوة. . . والحديد الطائع البليد القاسيالمتمم لإرادات الرجال. . . الذي وجد فيه القلب الإنساني أعظم معبر عن بأسه وتصميمه في اختراق السدود فصهره وشكله بنار عزمه قبل أن يصهره بنار كيره ويشكله بمطرقته ولقد ضمرت أظفار الإنسان منذ أن اعتمد عليه. وكان كشفه مبدأ انقلاب في حياته، والآن يبتدىء به انقلابا أعظم بعد أن سلط عليه خياله وعلمه وصار يطير به ويزحف ويدفع ويجر وهل تظنون أن هذه الأهوال التي يشهدها الإنسان الآن لا تترك في نفسيته آثارها المحتومة فتخلقه خلقا آخر؟ أتظنون أن قلبه وفكره لا تغيرهما رؤية هذه الطكرق الحديثة في البناء والإفناء والهدم والسرعة والانقضاض والحشد والتعبئة ومعاشرة هذه الوحوش والحيوانات الحديدية؟ إن من شهد تغير العالم بعد الحرب العظمى التي أظهرت قوة الآلة واختفى وراءها الإنسان يوقن أنه ستختفي بعد هذه الحرب أشياء وتظهر أخرى. . . وأخشى ألا يقام للحياة الفردية بعد هذه الحرب وزن بعد أن رأى الفكر أن ملايين من الجماجم والقلوب البشرية تسحق وتحرق بمصهور النار. . . وملايين من المعابد والمعاهد والمنازل المقدسة العامرة بالتحف ومخلفات العلم والفن والجمال تنسف وتذرى في الريح هشيما وهباء ودخانا لقد احترق الإنسان الأوربي مع جميع ما جمعه من الذهب وأقامه من البيوت والمحاريب

<<  <  ج:
ص:  >  >>