للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأجسام من مكان إلى مكان كما ينقل الصور والحركات والأصوات، وبالسرعة ذاتها التي يجري بها هذه المعجزات. . . إن الثقة بالعقل الإنساني بعد أن فعل ما فعل في تغيير الأرض ينبغي أن تكون من البدائه للانتفاع بها في بناء الحياة الجديدة. . . وكما آمنا بعلم الطب لتنظيم حياة الأجسام ينبغي أن نؤمن بعلم النفس لتنظيم حياة الأرواح وقد كان الإنسان في الحقب السابقة منزوع الثقة بنفسه لكثرة ضغط عوامل الطبيعة عليه وكثرة العقبات التي تعترض سبله وتجعله يشعر بحقارته وضعفه وسط عظمة الأسباب والقوى الطبيعية. . . ولكنه بعد أن تمكن من صنع كل شيء لنفسه والانتفاع بأكثر القوى، والمناعة ضد الأوباء والطوفان والقحط والصواعق يجب أن يكون إيمانه بعقله إيمانا أصيلا ليصنع به مستقبله صنعا يريحه ويرقيه ويجعله يتفرغ للفكر فيمن خلقه قادرا هكذا. . . إن الإنسان يأتي بأعمال عظيمة في صميم غايات الحياة وهو عنها غافل لا يدرك ماذا تكون نتائج عمله في مستقبله ومركزه. وإن مصانعفورد مثلا تخرج في كل ثانية واحدة سيارة كاملة! هذا جبروت وملكوت إنساني واسع يتفتح أمام عيون الراصدين لحركات الابن البكر للأرض! فهذه السيارات حيوانات حديدية تولد كاملة من أصلاب المصانع وأرحامها ولا تحبو ولا تدرج ببطء الطفولة وإنما تسير بسرعة الفكر الإنساني كما قدمنا في هذا المقال. . . وهي وأشباهها مما نتج من اللقاح بين الفكر والحديد قد ملأت الأرض وأدللت دولة الخيل والبغال والإبل، وصيرتها أشياء أثرية يوشك الناس أن يحتفظوا بها في المتاحف أو حدائق الحيوان. . . في كل ذرة رمل، وقطرة ماء، ولمعة شعاع، وخفقة نسيم. . . كنز مدخر لمستقبل الإنسان على الأرض. . . فليعرف ذلك الذين يشكون الفقر وشح المواد الطبيعية. أولئك الذين يثيرون الحروب من أجل الطمع والاغتصابأن تكون أمة هي أربى من أمة وليسلموا قياد الإنسانية لعلماء الطبيعة الذين يضربون معاولهم على كل منجم في الأرض والماء والهواء والشعاع ولنأخذ الحياة عريضة؛ بالانتفاع بكل ما في الأرض، وباستعمال جميع قوي الإنسان والجماد والحيوان، وباستخراج كل كامن من النبات والركاز، وباستنزال كل معلق من الشعاع والماء والهواء وبتوليد كل ما يمكن أن يولد من العناصر والقوى، وبوضع كل شيء أمام كل شيء لينشأ من الأوضاع المختلفة التي لا عدد لها حيوات جديدة معقدة لا عدد لها، يترقى بها الفكر والحياة ويغرز فيضهما وترحب بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>