تساير نزواتها وأهوائها إلى أبعد الحدود، لا تخشى في ذلك لومة لائم، أو كلمة رجل؛ ثم هي ساذجة مطواع طيبة القلب، تصارحك بكل شئونها ولو لم تقابلها إلا مرة واحدة، وهي بعد ذلك وفية كل الوفاء
والحدائق في بوخارست، هي مستراد الشباب، وميدان الغزل، وملاذ الهوى، يقصدها القوم جميعا قبيل الغروب. والمدينة غنية بحدائقها فقد وهبها الله موقعا طبيعيا غنيا بالبحيرات الطبيعية، فأنشأوا حولها الحدائق، ونموا الخمائل والأشجار والخضرة؛ ففي وسط المدينة تقع وبأطرافها تقع حدائق كارول الثاني على شواطىء بحيرة هيراستراو وحديقة تي شواطىء بحيرة وحديقة البوتانيك وحديقة كارول الأول وتتوسطها بحيرة طبيعية جميلة. . . وغيرها. . .
وكل هذه الحدائق آية في الجمال والتنسيق والموقع. ولن أنسى أمسية قضيتها في مطعم أنيق في حديقة كارول الثاني يطل على البحيرة، وقد انعكست أضواؤه على صفحتها الهادئة، وانتثرت بها الزوارق البخارية ذات الأضواء الملونة، وهي تتخطر في هينة ورفق على أنغام الموسيقى. . . منظر جعل يجذبني إلى هذا المكان كل مساء
وفي حديقة كارول الأول بحيرة طبيعية، يقع على شاطئها مسجد شرقي آية في الجمال والفن؛ فإذا أقبل المساء انسابت الزوارق إلى عرض البحيرة، وعلى كل زورق عاشقان، جمعهما الهوى، وأظلهما الظلام، وأغرتهما هدأة الليل الجميل، فذهبا يتناقلان الحديث، ويتشاكيان الهوى، ويتبادلان العناق؛ فأنت لا تسمع أينما أدرت أذنيك إلا همسات الغزل، وأصوات القبل، وخفقات المجاذيف قد اختلطت بضحكات النساء
وعلى مقربة من المدينة تقع غابة (بانيسا) وهي غابة صغيرة جميلة كانت لنا فيها جولات نذكرها بالخير، وعلى أميال منها بحيرة في موقعها الطبيعي الساحر، وهي أروع ما وقع عليه نظري في هذه البلاد
ولا أود أن أختم القول قبل أن أشير إلى رخص تكاليف المعيشة في بوخارست إلى حد لا يتصوره العقل، ولا يصدقه إلا من زارها، ويرجع ذلك إلى فقر البلاد، وانخفاض سعر (اللي) العملة الرومانية_انخفاضاّ كبيراّ. وحسبك أن تعلم أن ما ينفقه الإنسان في القاهرة في يوم، يكفيه في بوخارست ثلاثة أو اربعة أيام على الرغم من كونها بلاداّ أجنبية غريبة