للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما تنكر، وما تصدق وما تكذب، وما يتناقض آخره وأوله، ولم يكن ابن عبد ربه من الغفلة بحيث يجوز ما لا يجوز، ولكنه جامع أخبار ومؤلف نوادر، جمع ما جمع وألف ما ألف، ولكل ناظر في الكتاب بعد ما يأخذ وما يدع , ذلك كان شأنه وشأن المؤلفين في هذا الفن من قبله ومن بعده، على حدود متعارفة بينهم ورسوم موضوعة على أن ذلك لا يعني أن ما جمع من مثل تلك الأحاديث وهذه الأخبار ليس له مغزاه عند أهل الاختصاص والفن، ولكنها أشياء للاستدلال لا للدليل كما يقول أصحاب المنطق

ذلك هو موجز الرأي في التعريف بهذا الكتاب وقيمته فيما عرض له من أبواب العلم والأدب، وبقي علينا أن نعرف المصادر التي استند إليها ابن عبد ربه من الكتب والرواة

يقول ابن عبد ربه في مقدمته: (وقد ألفت هذا الكتاب، وتخيرت جواهره من متخير جواهر الأدب ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجوهر ولباب اللباب، وإنما لي فيه تأليف الاختيار، وحسن الاختصار، وفرش لصدر كل كتاب؛ وما سواه فمأخوذ من أفواه العلماء، ومأثور عن الحكماء والأدباء

وهذا الذي يقوله المؤلف في وصف كتابه، يدعونا إلى السؤال: من أين اختار ابن عبد ربه مختاراته؟ وما هي مصادره الأولى؟ انظر إليه تجده يروي عن الشيباني، والمدائني، والأصمعي، وأبي عبيدة، والعتبي، والشعبي، والسجستاني، والجاحظ، وابن قتيبة، والمبرد، والرياشي، والزيادي، وابن سلام، وابن الكلبي، وغيرهم من علماء المشارقة؛ وعن الخشني، وابن وضاح، وبقي بن مخلد، من علماء الأندلس؛ فأي هؤلاء لقي ابن عبد ربه فأخذ عنهم شفة إلى شفة، وأيهم نقل إليه من أخباره راوية عن رواية؟

لم يعرض أحد ممن ترجموا لابن عبد ربه_للحديث عن رحلة له إلى المشرق، إلا فروضا ّنظرية استنبطها بعض المتأخرين لدلائل يستند إليها في كتاب (العقد) ولا نراها تصلح للاستدلال؛ فلم يبق إلا أن صاحب العقد قد روي من أخبار المشارقة ما نقل إليه حيث هو في مقامه من قرطبة، ولم يعبر البحر ولم يركب الصحراء؛ وقد كان من شيوخ ابن عبد ربه في الأندلس كما سنذكره بعد: الخشني، وبقي بن مخلد، وابن وضاح؛ وللأولين منهم رحلة إلى المشرق ورواية

على أن كثيراّ من كتب المشارقة وعلومهم كانت ذائعة بالأندلس لعهد ابن عبد ربه، وكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>