صورتك تحدثني بأنك لم تجاوز العشرين؟ فهل تصدًق أن الأديب الجيد يتمً لأحد في سن العشرين، تلك أيام خلت، حين كان جمهور الشاعر والخطيب من عوامً الناس، أما اليوم فجمهور الشاعر والكاتب والخطيب، جمهور مزوًد بثقافات لا تخطر لمن كان في مثل سنك على بال، وهو جمهور لا يتصدق على أحد بالمنازلة الأدبية، وإنما يخضع راغماّ لسيطرة العبقريين، أو شهرة النوابغ، فانتظر حظك إن استمعت قولي وأجلت توديع الحياة إلى أجل بعيد
وتقول إنك تحب، وإن لك عواطف تستحق التسجيل فما أنت والحب، وهو من مثلك أشبه الأشياء بعبث الوليد؟ الحب من مثلك فورة سطحية لا تصل إلى أعماق الروح، لأن الحب أيضاّ يفرض ألواناّ من التثقيف، وهي عزيزة عليك، لأنك في سن العشرين، سن الأطفال، فإن لم يكن بد من أن تعبر عن عواطفك فعبًر عنها بأسلوب من يكون في سنك، وذلك بعض الأنامل، أو نطح الجدران، أو الامتناع من تناول الغذاء!!
اسمع، يا بنيً
لعلك خدعت بما كان يقال من بخل الكهول بتشجيع الشباب، فجئت تتهم صاحب (الرسالة) بالتجني عليك، فاعرف الآن أن ذلك اتهام مردود، وإنما الحق كل الحق أنك لم تقدم شيئاّ يحسن عرضه على القراء، فأنت ما زلت في دور التكوين، إلا أن تريد أن يكون عمر مواهبك قريباّ من عمر خشب الوقود، وهذا أيضاّ أنواع، فخشب السنط يحتاج إلى عمر أطول من عمر الصفصاف، ليكون أقوى وأنفع، والقوة والنفع لا يوهبان في الزمن القليل
يجب أن يعرف شبان اليوم أن الصحافة الأدبية ليست ميداناً للتمرين، فالقارىء لا يدفع (القرش) إلا إذا اطمأن إلى أنه سيجد زاداً للعقل والقلب والذوق. والصحافة الأدبية هي عنواننا في الشرق، فيجب أن تكون حروفها من عصارة العقول والقلوب، وتلك هي المزية الأصيلة للصحافة الأدبية في هذا الجيل
أنا هذا، وأنا، فقد كنت أحب أن يكون في الصحافة ميدان للتمرين، ولكن ما الذي يصنع الصحفيون وقد صارت الصحافة من الميادين الاقتصادية، والنضال في عالم الاقتصاد لا يفوز فيه إلا من يقدمون أجود الأصناف؟