وكان ينهض واحد منا كل ساعة ومعه كلبان من كلاب الحراسة، فيدور حول المزرعة ويتفقد مرابط الخيل وحظائر الماشية. . .
ونهض أحدنا، وكنا مستغرقين في الحديث فلم نشعر بغيابه. . .، وسمعنا على غرة نباح كلاب شديد قادم من شرق المزرعة. . . ثم ومض البارود، وأز الرصاص، وملأ الدخان عنان الجو، فنهضنا مسرعين واتجهنا إلى الناحية التي سمعنا منها صوت الطلقات. . . ثم خفنا أن تكون هذه حيلة بارعة لتبعدنا عن المزرعة، فعدنا إلى مكاننا وأعيننا لا تتحول عن سهام النيران الحامية. . .
وانقطع صوت النار وبقى صوت الكلاب، وأخذ نباحها يقترب منا. . . ثم برز شبح في الظلام، فصوبنا بنادقنا وهتفنا بالقادم. . . فرد علينا اسماعيل (أحد رفاقنا) بصوت أجش. . . واقترب منا وهو يلهث، ووجهه يتصبب عرقاّ، وغدارته تفوح منها رائحة البارود. . .
فصحنا في صوت واحد
- وهل أصبت. . .؟
- لا ولله الحمد. . . وإنما كدت أن أقتل. . . وكل ذلك بسبب هذين الملعونين. . .
واستطرد وهو يشير إلى واحد من الكلبين
_ لن ترافقني مرة أخرى يا مسعود!
فسأله رفيق له:
_ هل مررت على القرية؟
فأجاب في إيجاز متعمد:
_ أجل. . .
_ وهل كان من الضروري ذلك في هذه الساعة من الليل. . .؟
_ أجل. . . كنت في حاجة إلى تبغ. . .
_ أكنت في حاجة إلى تبغ أم كنت في حاجة إلى شيء آخر. . .؟