وجاء بعد ذلك أمر حيرنا معاً أنا وصاحبي، وحار منظاري حتى كدت أشك أن الشيخ قد أفسد عليّ بكراماته سحره، فقد جيء للشيخ بأربعة فتيان متهمين في سرقة فجلسوا أمامه يرتعدون فرقا وكلهم ينكر ما نسب إليه، ولما يئس منهم الشيخ طلب بيضة بطة أو إوزة فذهب صاحب الدار ليحضرها ولما عاد بها قابله أحد الدراويش عند الباب وأخذها منه، ثم وضعها في جيبه حتى طلبها الشيخ فأخرجها وأعطاها إياه أمام أعيننا ووضعها الشيخ تحت يسراه، ثم قرأ وقرأ وقال إنه سيرفع يده فتتجه البيضة إلى السارق، ونظر في وجوه الفتية فأصروا على إنكارهم. وما كان أشد عجبي وعجب الجالسين جميعاً أن رأينا الشيخ يرفع يده فتظل البيضة في مكانها بضع ثوان، ثم تبدأ تتدحرج وتقف، ثم تتدحرج وتقف، وعظم خوف السارق بطبيعة الحال، وقبل أن تنحرف البيضة إلى من سرق أخذها الشيخ وقد بعدت عنه نحو ثلاثة أذرع وأمر الفتية أن يخرجوا فيفضي من سرق منهم بسره إلى من يرسله معهم من الدراويش، وعاد ذلك الدرويش بعد قليل يحمل المصاغ المسروق!
وأقبل من في الحجرة على الشيخ يقبلون يديه، ونظر إلي صاحبي وقال في لهجة عجيبة:(وما قولك؟ بل ماذا يرى منظارك في هذه المعجزة؟) ونهض الشيخ واقفاً فدعا دراويشه ومن جلس معه إلى (حلقة ذكر) وبدأ ذلك الذكر في حماسة شديدة واشتدت الحركات وارتفعت الأصوات، ونسى الناس أنفسهم حول الشيخ وعظمت الرهبة في وجه صاحبي الشاب فأمسكت بذراعه مخافة أن يثب فينضم إلى الحلقة!
وكان موعد تقديم الطعام قد قرب فانتظرنا وصاحبي حتى انتهت لحظة التجلي، وخرجنا بعد أن سلمنا من بعد على الشيخ ومن معه وسرنا وصاحبي يسألني في لهجة كلهجة طفل خارج من ملعب يستوضح أباه حركة (بهلوان)؛ ولم نكد نبعد حتى سمعنا من يشاركنا الحديث، فإذا هو أحد دراويش الشيخ السالفين وهو اليوم من الخارجين عليه، وقال ضاحكا: طول ما في البلد مغفلين وأكل العيش سهل. يا سيدنا الأفندي البيضة كانت موجودة في جيب صاحبنا غير الثانية، وهي فارغة وفي جوفها خنفسة. . . دا شغل إحنا عارفينه، وبكرة يا ما يشيل الشيخ من الطيور والسمن والخرفان وهو خارج من البلد. وضحك صاحبي وأخذ يعود إلى جحوده ونكرانه