للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يدعى عمر كرة أخرى. فهب الشيخ واقفاً من فوره، ففطنت أنه لن يطيق أن يسمع اسماً من أسماء الخلفاء الراشدين وهو جالس، وتتبعته أنظر مبلغ ما في هذا الظن من صحة فاتسق لي القياس كل مرة

وكان ذلك قد ألهاني لحظة عن صاحبي الذي سرت الدهشة في وجهه لذكر نصف الريال والذي أخذ إجلاله للشيخ وإيمانه به يتغلب شيئاً فشيئاً على مظاهر النكران والجحود في وجهه وخوافي العلم والفلسفة في نفسه ورأسه!. . .

ودخل رجل فشكا إلى الشيخ أن ابنه لا ينام ليله مستريحاً، وتناول الشيخ ورقاً وقلماً وخط له حجاباً وصرفه فخرج الرجل فرحاً مطمئناً. ودخل ثان فشكا إليه أنه محروم من البنين وأنه يتحرق شوقاً إلى غلام يؤنسه وللشيخ ما يطلب. وضحك الشيخ من سذاجته إذ يصرح أمام الناس أو يظن أن الشيخ يطلب شيئاً، وطلب الشيخ منه منديلاً فلم يجد معه شيئاً فأخذ طاقيته ووضعها في حجره وقرأ ثم قرأ وردها إليه وبشره بغلام؛ ونهض الرجل وكأنه يحمل بين يديه ذلك الغلام. . .

ودخلت امرأة ملففة في ثيابها وطرحتها ترجو من الشيخ رقية لوحيدها كي يعيش، فجاد عليه الشيخ برقية وخرجت المرأة مزهوة؛ ودخلت بعدها غيرها تستجير ببركة الشيخ، فإن ابنتها يرتعد جسدها الملتهب وتمسكها (الملعونة) حتى ما تفارقها؛ وفهمت أنا أن المسكينة مريضة بحمى كانت الملاريا، وأمرها الشيخ أن تحضر وعاء به ماء، فذهبت فأحضرته، وتناوله الشيخ فقرأ ثم قرأ، وصاحبي ينظر دهشاً، وبصق فيه الشيخ بصقه على رغم علم صاحبي وفلسفته، وناوله المرأة لتشرب ابنتها من ذلك الماء أثناء الليل، وكم تمنيت لو قفزت من مكاني فحطمت ذلك الوعاء وأسلت بركته على رأس الشيخ!

ودخل شاب قوي البنية، بادي الجرأة، فما دنا من الشيخ حتى صرخ الشيخ في وجهه يطرده ويصيح به: أيها العاصي، ابعد عني. وتوسل الشاب إليه حتى سمح له بالجلوس، وأمر الشيخ دراويشه، فطرحوا ذلك الفتى ورفعوا رجليه على نحو ما فعل معلم الصبيان في المكتب، وتناول الشيخ عصاه وهم يضربه. فاستجار الفتى بالنبي، فألقى الشيخ العصا وهم واقفاً، ثم أمر أعوانه فأطلقوه، وأخذ عليه الشيخ العهود والمواثيق ويده على المصحف، ثم صرفه والناس يعجبون كيف عرف الشيخ أنه شقي، ونسوا أن للشيخ دراويش هم

<<  <  ج:
ص:  >  >>