يرددها كل لسان، لولا أن الجميع قد شرَبوا مع الأسف شربوا حتى فقدوا وعيهم فهم مخمورون لا يفيقون من هذه الألحان المريضة ولن يصدقوا من يقول لهم: إنهم مخمورون، لأن الأغلبية لا بد أن تكون هي الواعية في جميع العصور!
وبعد فما جدوى هذه الكلمات؟
لقد كان يرجى لها بعض الفائدة، لو سرت مع الشاربين المخمورين إلى منتصف الطريق، وكتمت عنهم نصف الحقيقة، وارتضيت أنصاف الحلول. لو قلت لهم: إن هناك أغنيات وألحاناً سليمة وأخرى غيرها مريضة، وأنك تعجب من فلان أو فلانة بكذا وكذا، وتنكر عليهما كيت وكيت. . .
أما وأنت تجبه هذه الملايين - على اختلاف ذوقها الفني - بأن ما يستحسنونه سواء من حيث أنه لا ينتسب إلى فن الموسيقى وفن الغناء، وأن ما يسمعون إنما يتفاضل في دائرة بعيدة عن دائرة الفنون الآدمية، فيرتفع أو ينحط، ولكنه لا يعير في ارتفاعه أو انخفاضه عن نفس إنسانية على الإطلاق. . .
أما وأنت تدعي هذه الدعوى غير المعقولة، فلا سمع ولا تصديق وعليك أن تشرب من النهر الذي شرب منه الجميع. . .
هذه كارثة. كارثة أن نعيش أمة كاملة بلا موسيقى ولا غناء وأن يكون غذاؤها الروحي هو هذا الترنيم المريض الزائف. وأشد من هذه الكارثة هو لا أن تستسيغ هي هذا الغذاء.
ولست أدري كيف يكون العلاج، والذين يتولون العلاج في غالب الأحيان هم أنفسهم مخمورون، شاربون من النهر، وإن نعوا على الشاربين!
موسيقى جديدة وتلحين جديد ومطربون ومطربات جدد، وأذواق للسامعين غير هذه الأذواق. أذواق لا تستسيغ أية قطعة أو لحن مما تتردد في مصر منذ مئات السنين. كل هذا وفي آن واحد هو ما تحتاج إليه لتحسب في عداد الآدميين.
والمعجزة وحدها هي التي تستطيع أن تفعل ذلك لا الجهد البشري ولا المدرسة الحديثة، ولا عشرات الكتب، ولا ألوف المقالات في الصحف.
وتسألني: وفيم إذن تكتب هذه الكلمة، وتشغل بها فراغاً من صفحات هذه المجلة، وفراغاً من وقت القراء؟ فأجيبك: إنها صيحة من لم يشرب من النهر، أو هي صيحة الجنون في