بصاحب العقد (مجلة الثقافة، العدد ٩٤ - ١٥ أكتوبر سنة ١٩٤٠): (إن أمالي أبى علي القالي كانت هي النواة الأولى التي بذرها أبو علي في الأندلس من علوم المشرق، وعليها تخرج مشهورو الأدباء في الأندلس، ومنهم ابن عبد ربه. . .)
وظاهر الكلام الأستاذ العميد صريح في أن ابن عبد ربه كان لاحقاً لأبى علي القالي، وأنه من تلاميذه، وأن كتاب (الأمالي) أسبق من (العقد الفريد)، وأنه أول ما نقل إلى المغاربة من علم المشرق. . .
وأرى هذا كله خطأ لا يستند إلى دليل من التاريخ، فقد كان مَقْدَم أبى علي القالي إلى الأندلس بعد وفاة ابن عبد ربه بسنتين وأشهر (توفي ابن عبد ربه بقرطبة سنة ٣٢٨، وكان مقدم أبى علي القالي في إمارة عبد الرحمن الناصر سنة ٣٣٠)، وكان تأليف كتابه الأمالي بعد مقدمه بسنين؛ إذ كان هذا الكتاب هو مجموع محاضراته في جامع قرطبة.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن ابن عبد ربه قد فرغ من تأليف كتابه (العقد) في سنه ٣٢٢ على ما نرجحه، وقدرنا المدة التي أملى فيها أبو علي محاضراته في جامع الزهراء قبل أن يجمعها في كتاب ببضع سنين، كان لنا من ذلك برهان لا يدفع بأن العقد الفريد كان أسبق من الأمالي ببضع عشرة سنة؛ فلا وجه هناك للقول بأن ابن عبد ربه كان من تلاميذ أبى علي، وبأن كتابه على منهاجه.
وأما قوله إن كتاب الأمالي كان النواة الأولى من علم المشارقة في الأندلس، فينقضه ما كان معروفاً قبل ذلك في الأندلس من كتب القوم، حتى روى ابن كثير في تاريخه: أن أهل المغرب كانوا يتهمون من لم يكن في بيته من مؤلفات ابن قتيبة شيء؛ (توفي ابن قتيبة سنه ٢٧٦، وكان مولد أبى علي سنه ٢٨٨)، وكان للمغاربة من العناية بتحصيل علم المشرق والتكبير إليه ما دعا المستنصر إلى أن يرسل وراء النسخة الأولى من كتاب الأغاني لأبي الفرج فيشريها بألف دينار. . .
أضف إلى ذلك أن رحلة المغاربة إلى الشرق كانت متصلة لطلب العلم منذ أوائل القرن الثالث؛ فلا يمكن مع هذا أن يكون علم أبى عليَّ جديداً على أهل الأندلس في أواسط القرن الرابع، وأن يكون نواة وقدوة، ومنشئ مدرسة يتخرج عليها مثل ابن عبد ربه مؤلف العقد. . . . . .