للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالسجع المونق ككتاب اليميني الذي ألفه أبو نصر العتبي للسلطان محمود الغزنوي.

وأما الأتراك العثمانيون فانهم حين أخذوا يدونون أشعارهم في أوائل القرن الثامن اقتبسوا من الفرس بعض الأوزان العربية مدداً لأوزانهم القديمة، ولكنهم ابتداءً من القرن التاسع أغفلوا أوزانهم واصطنعوا العروض الفارسي فجروا علىمناهجه وفنونه. وظل الأدب التركي صورة من الأدب الفارسي يترسم خطاه ويردد صداه حتى منتصف القرن الماضي حين هب الوزير ضيا باشا المتوفى سنة ١٢٩٥ للهجرة يقوض دعائم الشعر القديم وينعى على الشعراء ما هم فيه من جمود وقصور ورق، فانضوى إليه رهط من الشعراء المجددين ككمال يكن وأكرم بك وناجي أفندي فأنقذوا أدبهم من سخف التقليد، وقووه بالابتكار والتجديد، هذا مثل من التقليد العاجز الذليل الأعمى. أما التقليد البصير القوي المستقل فهو الذي يهذب أدبنا اليوم ويتمم نقصه، فالأقصوصة والقصة والرواية، والأسلوب المهذب والفن التمثيلي، كل أولئك قد أخذ بفضل تقليد الفرنج ينبت في حقوله، ويضيف فصولا خالدة على فصوله.

هذه هي أقوى العوامل التي تؤثر في الآداب على اختلاف لغاتها، وهي تعمل أما مجتمعة وأما منفردة، والواجب على مؤرخ الآداب أن يحلل ما تركب من أفعالها المتنوعة كما يحلل العالم بالميكانيكا القوة الناتجة ثم يردها إلى القوى البسيطة الفاعلة. وهيهات أن يقف الأديب على هذه العوامل ما لم يكن المؤرخ في عونه، ولا يتسنى للمؤرخ أدراك كنهها الا بالاستقصاء البالغ والبحث الشديد في أحوال الشعب الذي يدرسه ويؤرخه. وكل تعليل لأطوار الأدب وظواهره قبل دراسة هذه العوامل ضرب من التخرص لا يطمئن عليه القلب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>