الغذاء والماء والهواء والمأوى وصلات الجنس هي النعم المبذولة لكل حي بحكم وجوده، فلو كان مما ينفع الطبيعة ويصلح الأرض سلامُ الناس وهدوء العيش لألهمتهم القناعةَ وعودتهم الرضى وجنبتهم الأثرة؛ ولكن فوضى الطبيعة هي نظامها المطرد، وفسادها الظاهر هو صلاحها المضمر؛ والفرد هو الأضحية المحتومة لبقاء الجنس، والحاضر هو القنطرة المهدومة لعبور المستقبل!
في المرض يزداد يقين المرء بأن الدنيا زائلة، فهو يأسى على ما جنى ويندم على ما جمع؛ ولكنه حين يصح تمتد آماله وتتشعب مطامعه ويعود عبداً للطبيعة يعمل لأنها تريد، وينفذ لأنها تحكم، فليت شعري إذا عقل كل الناس فعمل كل امرئ ما يلزم، وقنع بما يقوت، وكيف عما لا يحل، فبماذا يشتغل قضاة المحاكم وقواد الجيوش وصناع الأسلحة ورؤساء الأحزاب؟
وأوشكت يدي من برح الألم أن تقف! فعسى الله أحكم الحاكمين أن يبتلي الدكتاتورين الكبير والصغير بروماتيزم العقل والقلب فتقف رحى الحرب وتغلق أبواب جهنم!
الشمس تجمع هلاهل نورها على المنازل العالية لتهرب من رؤية الأكداس المكدسة من جثث الإنسان على عُدَّوتي البحر الأبيض. وفتاة الطُّنف الحسناء تلم غسيلها المنشَّر لتغلق عليها الباب من البرد القارس. وليل (طوبة) الطويليقترب بأوصابه رويداً من المريض المسكين! فاللهم حنانيك ورحماك!