عبد العزيز البشري مزخرِفٌ ومبهرِج، وبفضل الزخارف والبهارج وصل إلى أشياء، لأن الجمهور عندنا قد يكتفي من الكاتب بإجادة التزيين والتلوين
يسأل البشري عن الكاتب الذي يصور العواطف المصرية وأنا اسأل عن الكاتب الذي يصور العواطف الإنسانية، فما يهمنا أن نكون مصريين كما يهمنا أن نكون إنسانيين، فالشاعر الإنساني يجد لعواطفه صدًى في جميع البلاد، أما الشاعر (المحلي) فأفقه ضيق محدود. . . وما أريد الغض من العواطف التي توحيها الأجواء المحلية، وإنما أريد أن يتغلغل الشاعر والكاتب في أعماق الأرواح والقلوب بحيث يحدث قراءه عن آفاق روحية وعقلية لا يهتدون إليها إلا بوحيٍ من العقل الملهم والقلم البليغ
أنا أرجو أن يدرك كتّاب هذا العصر أننا مللنا من الحديث المعاد، وأننا نودّ أن يكون لهذا العصر تاريخ جديد في الأدب العربي، تاريخ ينطق بأننا عبّرنا عما في نفوسنا وقلوبنا بصراحة وصدق وإخلاص؛ تاريخ يشهد بأننا تغنّينا صادقين بعواطف هذا الجيل، وتألّمنا صادقين من مآثم هذا الجيل
لا أريد أن يكون الكاتب مصرياً، وإنما أريد أن يكون إنساناً مصرياً، إنسانً تعنيه الوشائج الإنسانية، ومصريٍّا تعنيه الأواصر المصرية؛ وأنتظر أن يكون الكاتب المنشود رجلاً قديراً على تشريح العواطف والأحاسيس فبل أن يكون رجلاً قديراً على ترقيش الألفاظ والتعابير. وأرجو أن يفهم أن له مهمة أسمى وأعظم من القناعة بإعجاب أهل هذا الجيل؛ فالكاتب الحق لا يخاطب العصر الحاضر وحده، وإنما يسكب رحيق قلمه في أذن الزمان وقلب الوجود
الكاتب الحق هو الذي يفرض علينا أن ندرس عواطفنا وأهواءنا في كل وقت، ويشعرنا بأن حساب الضمير لا يقِل قدسيةً عن أداء الصلوات. الكاتب الحق هو الذي يروضنا على الاقتناع بأن نعمة القلم الصوّال أعظم من جميع النعم، وأنفس من جميع الذخائر، وأشرف من جميع ألوان التكريم والتعظيم والتشريف، لأنه يمكّن صاحبه من مناجاة الضمائر والقلوب، ويوحي إلى القارئ أنه قَبَسٌ من السر المكنون في سرائر الغيوب
الكاتب الحق هو الذي لا تصرفه الأكاذيب والأراجيف عما يجب عليه من الفناء في خدمة