سمعتم أنه نقل رجلاً من رأى إلى رأى؟ هل سمعتم أنه انتقل من حال إلى حال؟ البشري هو هو لم يتغير ولم يتبدل، فقد قامت الشواهد على أنه ظل دهره على مذهب واحد في فهم الأدب والحياة، مع أن الدنيا تثور من حواليه في كل حين
انظروا ما صنع البشري وهو يصف (بنك مصر) لتروا كيف وقف عند المرئيات ولم يتعدها إلى المعنويات!
ما هو بنك مصر في نظر البشري؟
هو قصرٌ (فُرشت أرضه بجلود الصِّلال، أو بالوشى الصنعاني نُمنم بمثل أكارع النمال)
أتلك هي صورة (البُنُوك) في نظر الأديب؟
كنت أرجو أن ينظر البشري نظرةً أبعد من هذه النظرة، فللبنوك معانٍ أخطر وأعظم من السقوف والجدران، ولكن البشري لا يفكر في غير المرئيات
ثم أسأل نفسي مرة ثانية عن الموجب لإيذاء هذا الكاتب الفاضل بهذا النقد الجارح
وأجيب بأن هذا أثر الغيظ من فجيعتي في هذا الكاتب، فهو من عصابة أدبية أساءت إلى الأدب المصري حين صيرته متاحف تهاويل، ومعارض تزاويق، ثم فَرضتْ على الدولة وعلى الجمهور أن يفهموا أن هذا هو الأدب الحق، وأن لا أدب سواه!
لم يُجِد البشري إلا في فن واحد: هو وصف المرض، فما نظرتُ فيما كتب في وصف بلائه بالأمراض إلا صرخت بالتوجع له من أعماق القلب، ومن أجل حزني عليه مزقت الصورة الأولى من هذا المقال وكتيته مرة ثانية، وما أذكر أني كتبت مقالاً مرتين منذ عهدٍ بعيد. . . أجاد البشري وصف المرض، ولكنه وقف عند الغرض القريب فلم يتغلغل في وصف بلاء الرجال بالأمراض؛ فأين هو من مقال شِبلي شمُيِّل في وصف عناء المريض؟ شِبلي شميِّل الذي يقول:
(ذقتُ ذل السؤال، بعد عزَّ الإفضال، فلم أجد أشقى من المريض)!
إن الفرق بين مقال البشري عن المرض ومقال شميل عن المرض أبعد مما يتصور القراء، فما السبب في هذا البعد؟
السبب أن شميلا تأذى بالمرض فوصفه بصدق، أما البشري فرأى المرض فرصة لمقالة أدبية فقال كلاماً يُعوزه الصدق، ولم صدق البشري فيما حكى عن مرضه لكان من الحتم أن