الجزيرة لمصر الجاهلية وصدر الإسلام، وبين حياة في بغداد أو الأندلس، وبين حياة في لندن أو برلين أو باريس أو روما أو موسكو، ولكن أين هذا الأديب الذي يصور عواطفه المصرية التي يُلهمها ما ينبغي أن يُلهم المصري من عواطف وإحساس)
ذلك هو فهم الشيخ البشري للأدب المصري في سنة ١٩٣٢ فهل رأيتم أغرب من هذا الفهم؟
في سنة ١٩٣٢ كان أدباء مصر فريقين، فريقاً لا يعرف غير الأدب العربي القديم، وفريقاً لا يعرف غير الأدب الأوربي الحديث كما يتصور الشيخ عبد العزيز، فأين كان أدباؤنا الكبار من أمثال حافظ وشوقي والزيات وهيكل والمازني والعقاد وتيمور وطه حسين؟ هل كان هؤلاء جميعا من المذبذبين بين القديم والحديث؟ وأين كان الصحفيون من أمثال حافظ عوض وعبد القادر حمزة وتوفيق دياب؟
أشهد أن عبد العزيز البشري لم يصدر في حكمه إلا عن وَهمٍ هو أشبه الأشياء بالإفك المدخول!
أما بعد فما جملة القول في هذا الكاتب؟
هو من أمهر الوصافين للمرئيات، حتى لتحسب أن قلمه ريشة رسام تنتقل بين الألوان، ولكن أين الكاتب المنشود، الكاتب الذي يحدثنا عما نعرف أو نجهل من أسرار النفوس وسرائر القلوب؟
لقد تفقدتُ هذا الكاتب في مقالات عبد العزيز البشري فلم أجده، بالرغم من طول الصبر على البحث والتفقد؛ فأين ذهب وكنت أرجو أن أراه في ثنايا تلك المقالات؟
تحدثك مقالات البشري أنه صحب كثيراً من الناس، وتنظر فتراه وصف ملامح من صحب من الناس، ولكنك لا تجده تنبه إلى ما تدل عليه خصائص تلك الملامح، فهل يكون من حق الناقد أن يفترض أنه لم ير وجوه الناس إلا عن طريق
(الصور الشمسية)؟
البشري الكاتب له عينان تريان الألوان، وأذنان تسمعان الأصوات، ولكنه عاش بلا قلب، فلم يدرك دقائق الفروق بين الألوان والأصوات من حيث الدلالة على المعنويات
كان البشري في مختلف أطوار حياته موصول بكبار الرجال، فماذا استفاد؟ وماذا أفاد؟ هل