كان الظن أن تكون محاضرة ينقلها روتر وهاناس إلى جميع بقاع الأرض، لأن مصر أول أمة في التاريخ أقيم فيها لحامل (القلم) تمثال، ولكنها كانت محاضرة سطحية لم يرسم فيها المحاضر غير خطوط يغلب عليها العِوَج والانحراف، في غير موجب للعِوج أو الانحراف
فمن أغلاط هذه المحاضرة أن الكاتب جعل توليد الفنون الشعرية في الأندلس أثراً من آثار الانحطاط. ألم يقل إن الأندلسيين (وّلدوا في الشعر فنوناً لتؤدي من الأغراض اللينة الرخوة ما عسى أن تثقل عليه أوزان الشعر؟) ذلك ما قال بالحرف، وهو شاهدٌ على غفلته عن الغرض الذي استوجب أن يفكر الأندلسيون في توليد القوافي والأوزان
ومن أغلاط هذه المحاضرة أن الكاتب عاب التكلف على (أصحاب البديعيات) فهل يعرف مَن (أصحاب البديعيات) وقد عدَّهم من الشعراء المتكلفين؟
أصحاب البديعيات لا يعاب عليهم التكلف، يا فضيلة الأستاذ لأن التكلف عندهم غرض مقصود، فهو نظم تعليميٌّ يجري مجرى (المُتون)
ومن أغلاط هذه المحاضرة أن يظن الكاتب أنه كان من الطبيعي أن ينحط الأدب المصري في عهد الأتراك (ولو قد ظل مع هذا على شأنه الأول من القوة وسعة التصرف لما كان أدباً مصرياً، ولا كان مما يتسق لأذواق المصريين)
فما معنى ذلك؟ هل يتوهم أن مصر في العهد التركي كانت تحولت إلى بيئة تركية؟ هو إذاً يجهل أحوال مصر في تلك العهود، فقد كانت في مصر بيئات منفصلة عن المجتمع السياسي كل الانفصال، وبفضل تلك البيئات ظلت مصر موئل اللغة العربية في عصور الظلمات، إلا أن يجوز قياس المجتمع في العهود الماضية على المجتمع في هذه العهود!
محاضرة البشري في افتتاح نادي القلم المصري تشهد بأن اطلاعه على تاريخ الأدب في مصر مبتور الأطراف
ثم ماذا؟ ثم نقرأ بحثه عن (حيرة الأدب المصري) فنعرف أن الكاتب هو الحيران!
هو بحث نُشر في مجلة المعرفة سنة ١٩٣٢ وإنما نصصتُ على التاريخ لأمسك بتلابيب الكاتب الذي يقول:
(وعلى الجملة فإنك لو تصفحت هذا الأدب المصري القائم لرأيته موزعاً بين حياة في