الكتابة رزق من الأرزاق، فمن حدثكم أنه يملك منها ما يريد فهو جهول، فما كانت الكتابة إلا بوارق يمنّ بها الرزاق الوهاب، وهو قد يمنّ بها على من يجهلون أنه أهلٌ لأعظم الحمد وأجزل الثناء، لأن المنة لا تعظم إلا حين تساق إلى أهل الجحود!
محصول (المختار)
بعد هذا الشؤبوب ننتقل إلى الجزء الأول من (المختار) فنراه محصولاً من الجهد المحمود في عرض طوائف كثيرة من سور الدنيا والناس، وإن كان قُدِّم بروحٍ مكدود، ونفَسٍ مجهود، لأن الكاتب لا يفصح عما بنفسه إلا بعد أن يعاني من المشقات ما لا يطاق
هو تحفة فنية، وكيف لا يكون كذلك وهو عصارة ذهن البشري مدة الحياة، كما طاب له أن يقول في عبارة الإهداء، والبشري من كتابنا الكبار، وإن قيل في أسلوبه ما قيل
وهل من القليل أن يكون عندنا كاتب يقضي الليل والنهار في تعقب الألفاظ والتعابير ليؤلف منها قافلة حائرة لا تعرف أين السبيل في بيداء الوجود؟
هل من القليل أن يكون عندنا رجلٌ يستطيب الحبس بين جدران داره ليتسقَّط مرابع العشب اليابس من خيالٍ آبد، أو لفظ مجهول؟
هذا المعنى وحده مما يُطلب، فليكن عندنا ألف بِشريّ، لأن تنوع الأساليب من شواهد الحيوية في الشعوب، وبضدها تتميز الأشياء
عبد العزيز البشري كافَح في ميدان الكتابة كفاح المستميت، فلنعرف له هذا الفضل، ولنذكر أنه قضى ثلاثين سنة وهو معدودٌ من أبطال القلم في هذه البلاد. ولنذكر أيضاً أنه رجلٌ ذوَّاق إلى أبعد الحدود، فقد يندُر أن يكون له مثيل في الطرب لأطايب الدقائق الذوقية لعوامِّ الناس، أما فهمُ الشيخ عبد العزيز للشعر فهو أعجوبة الأعاجيب
ينقسم كتاب البشري إلى ثلاثة أبواب: الأدب والوصف والتراجم، وفي كل باب فصول منها الوسط والجيد والرائع، وهو يحتفل بالأسلوب في جميع الفصول على الطريقة البِشرية، ويكفي أنه صار كاتباً له أسلوبٌ خاص
مَطلع الكتاب محاضرة ألقاها البشري في أول اجتماع لنادي القلم المصري، وهو النادي الذي يجتمع أعضاؤه في كل سنة ليتناولوا معاً طعام العشاء!