كلا! ليس في هؤلاء من يصح أن يفقه شيئاً من ذلك الإبداع والجمال ولا أن يسند إليه الدور الأول في رواية الحياة. . . وإنما هذه مخلوقات على هامش الحياة. . . هن أعاجيب وتهاويل وصور لزينة المسرح ودواب لحمل لأدوات إليه. . . أو أن شئت فقل إن هؤلاء (حروف) في أبجدية (الأسماء) التي يلزم أن تتألف منها رواية الحياة التي يمثلها ممثل مجهول. . . ممثل لا بد أن يكون حراً يذهب في أي اتجاه على المسرح، ويجدد في التمثيل والإخراج كل يوم، ويقوم بأدوار جميع ما على الأرض ويتمثل فيه الابتكار الذي يجعل الحياة غير يوم مكرور دائم مملول لدى النظار من سكان السماء، وسكان الأرض من الراصدين الواعين. . . ويحشر كل شيء في رواياته ويضع عقله وقلبه على كل شيء. . .
وَمنْ هذا غير الإنسان؟!
لقد وزع الله عقوله وقلوبه على المواد والقوى سافلة وعالية، فجعل أفئدة من الناس تهوى إلى خدمة شيء، وأفئدة أخرى تهوى لخدمة شيء آخر كي لا يتعطل أفق من آفاق الحياة من غير نظر إليه وتفرس فيه. ولكي يزاوج بين خواطر الفكر وخواص المادة فتنتج الأحكام عليها، وتتبين حكمته المخبوءة وراء أسرارها ولتطلع العقول على فنه وإحاطة علمه بكل شيء. . . قانون المزاوجة هنا أيضاً: فبين فكر الإنسان وبين أسرار المادة زوجية تنتج علماً أو فناً أو إحساساً أو شعوراً. . . (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)
والإنسان كالقيثارة ذات الأوتار الكثيرة. . . تظل صامتة ساكتة حتى تضربها يد الأقدار بالمعلومات والأحزان والأفراح فيظهر ما في أوتارها من نغم عجيب. . .
فالأرض من غير الإنسان هي ذلك البيت الصامت وذلك الدولاب الدائر وتلك الدورات الأبدية التي لا غاية لها ولا بد تتلقى فيضها وتنتفع بقواها. ولا اطراد في ارتقائها ولا تغيير في أوضاعها ولا زيادة فيها
فأين المخرج من تلك الحدود الواقفة الجامدة؟ وأين الباب إلى ما هو أعظم وأوسع؟
إن عمق النفس هو الذي يوحي بعظمة الدنيا وتنوع المناظر فإذا خرج المرء من نفسه تبين