للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فهذا (بيتان) الشيخ يجدد شباب فرنسا! ويوحي إليها في كل حركة وكل عمل وكل خطبة أن تنهض، ويبشرها بالنهوض، وهو في الوقت ذاته يذكرها بالخطر الجاثم والهول المحدق، ويستنهض فيها الماضي المستقبل، ويقودها إلى الإيثار بعد الأثرة، والى التضامن بعد الفردية، والى الإنسانية العفة بعد الارتكاس في الشهوات

وهذا (فيجان) يحتمي في الشمال الإفريقي، ليشد ساعد الشيخ، ويثبت أقدامه أمام الغول الجرماني؛ وليبث في نفوس الفرنسيين الثقة بأن لهم بقية من قوة، ومسكة من مقاومة، وأنهم خليقون بالثبات بعد التقهقر، والنهوض بعد العثار، والرجاء بعد القنوط، والعزة بعد الاستسلام

أما (ديجول) فالحديث عنه نافلة، ذلك أن موقفه خطبة صامتة أبلغ من كل خطبة، وذلك أنه يمثل قلب فرنسا الحي، قلبها الشجاع الأبيّ، الذي لم يعترف بالهزيمة غداة الهزيمة. وإن (ديجول) وحده لشهيد بأن في هذه الأمة حياة، ولم طمست كل الأدلة والبراهين

وما من شك أن فرنسا ستنهض وقد تطهرت من أرجامها ونقيت من أدرانها. ستنهض باسم الرجولة والتضحية والأخلاق، وستكون خيراً لنفسها وللعالم من فرنسا الممزقة الغارقة في الشهوات.

ولقد صنعت ألمانيا سنة ١٩١٨ ما تصنعه فرنسا اليوم؛ فكانت الهزيمة حافزها الأول إلى وثبتها الجديدة. ولو لم يقم على هذه النهضة رجل مريض النفس، شاذ السليقة، لانتفع بها العالم في التعمير بدل التخريب، ولصرفت هذه الطاقة الضخمة من القوة الخارقة في غير هذا السبيل

وما أريد أن أضرب المثل بإنجلترا، فقد يكون الخلق الإنجليزي فوق مستوى إفهامنا، بل فوق إفهام العالم. هذه الخلق الذي يخلق من الشعب كله أبطالاً في ساعة المحنة، ويجعل من البشر ملائكة في لحظة الخطر، ويحيل الأفراد كتلة واحدة ما لها من فكاك

ومع هذا فقد كاد السلم، وكاد الغنى، يضعفان من أعصاب هذه الشعب، فذهب إلى الحرب متثاقلاً، ونام عن الاستعداد حتى دهمته الأهوال. ومن يدري لو طال به السلم، وأمِليَ له في الدعاية ما كان يصيب هذه الخلق المتين من الوهن، وهذه الأعصاب الفولاذية من الانحلال

للسلم ويلات. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>