للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإن مصر لكاسبة لو خاضت المعركة. كاسبة ولو تحطمت دورها وتمزقت أجسادها، لأنها ستبني أخلاقاً وتوحد كياناً، وترتفع فوق مستوى الحرص الحيواني على الحياة إلى مستوى الحرص الإنساني على الكرامة. ولأن حيويتها ستنبض في ساعة العسرة، وأعصابها ستشتد في مواجهة الخطر، فتعوض في المستقبل أضعاف ما تخسر من دور وما تفقد من أجساد!

لو خضنا المعركة - أية معركة - ما بقى ذلك الشباب الناعم الناعس، وما كان الإنذار بغارة جوية - لا الغارة - سبباً في ارتعاد الفرائص من الهلع، واصطكاك الأسنان من الذعر، وتساوي الرجال بالنساء في العويل والصياح!

لو خضنا المعركة - أية معركة - ما حدثك شاب (أرستقراطي) عن (النكبة) التي حلت به لأن (سهرة) فاتته، ولا عن الكارثة) التي تسود حياته لأن منافساً له من بني طبقته فاز بقلب راقصة - إن كان لها قلب!. . . ولا عن (ويلات الحرب) التي رفعت من أثمان العطور والخمور!

أي والله هذه أحاديث شباب (الوسط الراقي) في مصر، وتلك مطامعه وآفاقه في الحياة. وإن كثيرين من أبناء الطبقة الوسطى - عماد الأمم - ليقلدون هؤلاء مع الأسف، فإن لم يقلدوه في هذا، فالكارثة عندهم أن لم يجدوا وظيفة بعد تخرجهم، والنازلة أن بعض زملائهم سبقوهم في الدرجات، وويلات الحرب عليهم هي وقف العلاوات والترقيات!

لو خضنا المعركة - أية معركة - لبرئنا من الأثرة الحمقاء التي يحسب فيها التبرع بالجنيه من صاحب الألوف مفخرة تشيد بها الصحف، وتطوع فتاة في مستشفى مبرة تنتشر من أجلها الصور. ذلك أن التبرع بالأرواح والتطوع بالدماء يصحبان إذ ذاك عملاً يومياً لا يلفت الأنظار!

لو خضنا المعركة - أية المعركة - لسكتت ألسن الدعاة الحزبيين عن الخوض في الشخصيات ولترفعوا عن المغانم والأسلاب، ولكان لهم من هموم مصر ما يشغلهم عن هموم الحكم، ومن مطالب الوطن ما يلهيهم عن مطالب الأنصار!

ولو خضنا المعركة لكان لنا أدب غير أدبنا الباكي الحزين ولكانت لنا أمجاد نتغنى بها، ومخاطر ندعو إلى اقتحامها، ومخاوف نثير الهمم إزاءها، ولكانت لنا عزة تستشعرها نفوسنا ويتغذى بها إحساسنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>