ومن بعدهم روسو وبستالوتزي وسبنسر فقد أجمع كل هؤلاء الفلاسفة الأخلاقيين وغيرهم أن أول الواجبات الإنسانية تأهيل النفوس إلى اكتساب الكمال الممكن بتأسيس الملكات الصالحة وتأصيل الفضيلة الذاتية بإصلاح الأنفس الناطقة حتى تستحق النظر في حال غيرها أو تمرين سواها؛ ووافقهم على هذا المبدأ الحقيقي حكماء السياسة والشرع عموماً لتسليم البرهان القاضي بعلو الغاية من التربية وإن اختلفوا في الكيفية على حسب المدارك والاقتضاءات الزمنية
وقد دخل في العقد التاسع من عمره وقد منحته الطبيعة ما عندها من فتوة وقوة ولم تحرمه لذة الألقاب والغنى فتدرج فيهما إلى أن بلغ ذروة الأولى وأصبح في درجة لا بأس بها من الثانية وكان لا يزال قدوة الشباب ومرجع المربين: يلبس كالطفل وكالشاب وكالرجل وهو في الواقع كهل لا بل شيخ. إنما تعاليم الكشف وحياة الكشف جعلت من شيخوخته الشباب الغض والعامل المجد الآخذ من المجتمع بأكبر نصيب. فبادن باول في حركاته وسكنا ته كان يعد من الشباب الناهض وإن يكن شيخاً في مظهره وفي منظره، لأنه كان يلبس ما يتذوق الشباب ويتحرك كما يتحرك الشاب، ويجانس الفتية ويجالسهم دون غضاضة أو تنافر. لعله في هذا كان يتحدى الطبيعة ويتحدى الذين إذا استقبلوا الخمسين ترحموا على الدنيا وعلى الحياة، وعاشوا أمواتاً يبحثون عن القبر ويستضيفون اليأس في كل أطوارهم
وتاريخ طفولة رو برت مملوء بالحوادث والمفاجآت فقد مات أبوه (بادن باول) الأستاذ بجامعة أكسفورد وهو في الثالثة من عمره فكفلته أمه السيدة هزيتا ابنة الأميرال (السير سدني سميث) من أعلام البحرية مدة الحملة الفرنسية مع اخوته الستة وكذا أخته الوحيدة. ولم تلحقه بمدرسة ما بل اكتفت بتعليمه المنزلي. وكانت لدى بادن واخوته سفينة يمخرون بها عباب اليم فيجازفون بأنفسهم متغلبين على الأعاصير حتى قويت ملكاته وصار يستعمل المجداف بلباقة وذكاء وتعلم الاعتماد على النفس. وبقى بادن يتلقى بعض العلوم الخفيفة والمعارف السهلة في منزله إلى أن بلغ الحادية عشرة من عمره فأدخل مدرسة روزهيل الابتدائية فمكث فيها سنتين كان خلالها العلم الفرد في الألعاب مما جعله محبوباً من أقرانه وأساتذته. ولقد قال عنه الدكتور هايج بروني في سياق كلام له: (ما شككت قط في كلمة قالها. ولقد برهن في جميع أدوار حياته أنه رجل شريف لا يعرف زوراً ولا بهتاناً ولا