يخاتل ولا يشك في كلامه). ولما بلغ الثالثة عشرة من عمره التحق بمدرسة تشارتر هاوس تلك المدرسة التي تحدث (ثكري) عنها وأشاد بذكرها في رواياته القصصية. وكان سيره التعليمي عاديا كشأن الطلبة المتوسطين أي أنه يبزهم في اللغتين اللاتينية واليونانية، وينافسهم في الأخلاق الفاضلة والصفات النبيلة. أما في الألعاب بأنواعها فهو ابن بجدتها وفارس حلبتها؛ شهد بذلك ناظر مدرسته حيث كتب على لوحة الإعلانات قبيل انعقاد مباريات كرة القدم السنوية:(إن الطالب روبرت بادن باول حارس مرمى يقظ هاديء الخلق يعتمد عليه دائماً)
وفي عام ١٨٧٦ ترك الفتى روبرت مدرسة تشارترهاوس، وكان عمره إذ ذاك تسعة عشر عاماً، فأخذ يفكر فيما عساه يكون مستقبله، ولم يكن قد قرر اتجاه حياته بعد. وفي بعض الأحيان تخضع مصاير الناس لمصادمات تافهة لا وزن لها، وقد يتغير حظ الإنسان ويتبدل مصيره، لا لشيء إلا أن القدر يريد أن يحقق ما كتب في صفحته. ومن المحقق أن الامتحان العسكري الذي صادف انعقاده وقت خروج روبرت من المدرسة كان له الأثر مما كان يتوقع، فإن تفوقه ونجاحه بين سبعمائة طالب آخرين دخلوا معه هذا الامتحان بالرغم من عدم ميله إلى الجندية أرغمته على الالتحاق بالفرقة الثالثة عشرة من الهوزار بالهند، وهكذا هيأت له المصادفة الدخول في جيش بلاده
ولما ذهب إلى الهند ضابطاً في الجيش أعجبته الطبيعة وهام بها، فأخذ يرمي بنفسه في أحضانها، ويطبخ طعامه بيده، ويهيئ فراشه من أغصان الشجر ويهتدي إلى الاتجاهات: بالرياح والنجوم والشمس والقمر؛ ويعيش مع الحيوانات والطيور، ويلاحظ نظم حياتها ويدرس أنواعها حتى نمت لديه قوة الملاحظة والاستنباط، واتسع نطاق ذاكرته ورهفت حواسه ودقت. ولقد قيل إن أول عمل قام به هناك هو أنه جمع عددا كبيراً من أولاد الأوربيين الصغار ونظمهم واخترق بهم شوارع مدينة لكنو، لاعبين على بعض الآلات الموسيقية، وكان يعزف هو على آلة تدعى (أوكارينا)
واللورد بادن باول ذو اطلاع وافر على شئون ممالك كثيرة، فقد انتقل من الهند إلى بلاد الزولو فجنوبي أفريقيا بعد أن قام بسفرات أخرى طويلة كان له فيها مغامرات جريئة وتجارب قيمة