لا ننظر إلى بادن كما ننظر إلى شاب، فهو في طفولته وفي شبابه ككل منا، ولكن النظرة التي تهمنا هي من يوم أن هداه الله، أو قل من يوم أن بعث الكشف من رقدته في صدر (توماس ستون)؛ فقد وقع في سنة ١٩٠٤ أن تنبه الأمريكيون إلى مسألة الكشافة وما يكون لها من وقع حيوي. فذهب المستر توماس ستون الذي كان يحاول إدارة غابات كندا إلى تأليف نفر من أبناء الإنجليز هناك لاستغلال هذه الغابات فجعلهم فرقاً على رأس كل واحدة منها واحد يقوم عليهم يدربهم على النظام والعيش في العراء، يأخذهم إلى الغابة ليعلمهم تسلق الأشجار واقتفاء الأثر، والمراوغة، والاختفاء عن أعين الرقباء، والتعرض للشمس. ويعلمهم كذلك السباحة وبعض الحرف النافعة، ويمنعهم شرب الخمر والتدخين
فلما رأى ذلك السير روبرت بادن باول وكان إذ ذاك في أمريكا الشمالية أعجبته خطة الرجل وصادفت هوى في نفسه، ولكن ما لبث أم أسدل النسيان عليها ستاره
وذلك اليوم هو حين صدرت له الأوامر بالذهاب إلى جنوب أفريقيا لتأدية خدمة عسكرية، وحين عهد إليه قوة من الوطنيين لم يكن لهم عهد بالحربية
مائة شاب من سكان جنوب أفريقيا كانوا المزرعة التي غرس فيها (الماجور بادن باول) تعاليمه كتجربة. ومائة لا أكثر استطاعوا أن يؤيدوا صدق مذهب الكشف، لكن بقيادة هذا الزعيم الكبير، وهم اليوم يعدون بالملايين في أنحاء المعمورة، لا يقف تيارهم جنس أو دين أو مذهب؛ بل كلهم يعتنقون مذهب الكشف راضين قانعين بفوائده سواء لأجسامهم ولعقولهم ولاستعدادهم للحياة كأفراد عاملين وكأعضاء في المجتمع نافعين. واللورد بادن باول فضلاً عن شهرته ككشاف أعظم كان يعتبر بحق بطل واقعة مفكنج، فقد أظهر أثناء حصار مدينة مفكنج عام ١٨٩٩ من النبوغ والعبقرية في الفنون العسكرية ما أطلق ألسنة مواطنيه بالمدح والثناء عليه
وتلك ولا شك كانت حرباً هائلة لم يكن الإنجليز يتوقعون أن يكون للكشافين أثر فيها. فلم يلبث أن دعي الجنرال بادن باول إلى جنوب أفريقيا عند قيام حرب البوير، فقام بأعمال جليلة رفعت من ذكره في بلاده
ومما يذكر في هذا الشأن أن الجنرال الإنجليزي حصر بجيشه في مفكنج وهي مدينة صغيرة واقعة في سهول أفريقيا الجنوبية ولم يكن أحد يظن بأنها ستهاجم من العدو كما لا