بعض الأخلاق والعادات. فقد عرفت أناساً يغالون بشراء الكتب على قدر قدمها في الطبع وندرتها في الأسواق؛ وأناساً يبذلون في الكتاب من الثمن على قدر سعة الهامش وصلاح الكعب للتجليد!
ويحضرني هنا أن الأوربيين يصنعون من الخشب نماذج لها شكل الكتب من بعيد، يملئون بها الرفوف العالية من المكتبات ويشغلون الرفوف السفلى بالكتب الصحيحة التي تقتنى للمظهر لا للقراءة، لأن قصراً بغير مكتبة معابة في البلاد الأوربية، فلا غنى لبعض أصحاب القصور عندهم عن هذا التشبيه والتزييف.
أما نحن فلم نرتفع بعد إلى هذه المرتبة!
لأن خلو القصور من المكتبات عندنا لا يعاب، فلا حرج على صاحب القصر أن تسأله عن مكتبة فلا تراها، وإن كان يتحرج من خلو القصر من الإسطبل. . . والقصر كله بمن فيه وما فيه أحرى أن يحسب في الإسطبلات!
والمصادفة التي صادفتها اليوم في سوق الوراقين هي شيء من غير هذا القبيل: هي كتب الدكتور شبلي شميل مرصوصة كلها في رزمة واحدة، ومعها رواية له عن الحرب الماضية كنت أتوق إلى الاطلاع عليها ولا سيما بعد شبوب نيران هذه الحرب القائمة، فكانت مصادفة (ورَّاقية) من أحسن المصادفات.
نظرت إلى كتابه عن (فلسفة النشوء والارتقاء) - وهو الجزء الأول من مجموعته - فعادت بي الذاكرة ثلاثين سنة إلى يوم صدور هذا الكتاب النفيس.
كان الدكتور شبلي شميل فقيراً كما ينبغي للأحرار الشرفاء من أمثاله في بلادنا الشرقية، وكان عسيراً عليه أن يطبع مجموعة بغير معونة من أصحابه الأريحية الغيورين على العلم والثقافة. فلما تبرع له المتبرعون بالمعونة الكافية طبع المجموعة في جزءين، وذكر أسماءهم جميعاً ومقدار ما تبرعوا به في ختام الجزء الثاني، وقدم الأسماء بهذه العبارة الصريحة الحكيمة:(أذكرها مجردة عن النواتئ مكتفياً بجمال الأعمال، وكم يجمل بالناس أن يتعودوا ذلك اختصاراً للوقت وانصرافاً للجد. وسيكون ذلك منهم متى غلب النظر إلى الجوهر على الاستمساك بالعرض في كل أعمالهم)
وجعل الدكتور ثمن المجموعة الواحدة جنيهاً مصرياً عدا أجرة البريد، وهو ثمن معتدل