(قد يستغرب القارئ - وقد أنهيتها بهذه الصورة - مع أن الألمان حتى الآن في انتصار. ولكن من يتدبر الأمور بعين الناقد البصير يعلم أن الألمان من بعد فشلهم في حملتهم على باريس لم يعد يرجى لهم تحقيق حلم، وما انتصاراتهم الجزئية اليوم إلا تطويل لأَجل الحرب. ولذلك هم اليوم يتخبطون ويبذلون آخر ما عندهم من الجهد عسى أن يحرزوا من النصر ما يحمل الآخرين جميعاً أو فرادى لعقد صلح لا يغبنون فيه ولا يثلم مقام إمبراطورهم لدى أمته التي جر عليها كل هذه المصائب على غير جدوى أو بخسائر لا تعوّض. لأنه يستحيل اليوم أن يرجع العالم ويثق بهم ويخلص لهم ويفتح أبوابه لمتاجرهم ويحسن الظن بعلمهم وعلمائهم كما كان في الماضي. فهم في هذه الحرب خاسرون كل شيء: المقام الأدبي والمركز الاقتصادي التجاري. . . وانتصار الألمان على الروس اليوم وحفظ مراكزهم في الأماكن التي احتلوها في الغرب لا يستغربان لمن يعلم أنهم منذ أكثر من نصف قرن ولا سيما في عهد إمبراطورهم الحالي يستعدون لهذه الحرب ويعدون لها العدة. بخلاف خصومهم فقد ثبت أنهم من قلة حذرهم منها وفراغهم من العدة لم يكونوا ينوونها. . . فإذا كان الألمان حتى الآن أقوياء أشداء فذلك طبيعي، وهم ما خاضوا غمار هذه الحرب إلا وكانوا على أتم الأهبة لها. لكن إذا كان الألمان وهم في منتهى قوتهم لم يتمكنوا من تحقيق حلمهم، وخصومهم في غفلة غير مستعدين، فهل يرجى ذلك لهم بعد سنة وهم في تناقص وخصومهم في تزايد؟ هذا أمر لا يقبله العقل، ولا سيما إذا رأينا ما تؤول إليه حالهم بحصر البحار. . . ولهذا كله نرجع ونكرر القول أن انتصارات الألمان اليوم ليست إلا تطويلاً لأمد الحرب وأن مصيرهم في الآخر إلى الفشل التام)
صدق الدكتور وأصاب في ذلك الزمان، وكذب الأغبياء وأخطئوا في كل زمان. ولقد ذكر الأوربيون لحكمائهم أمثال هذه النبوءات النافذة والنظرات الثاقبة ولم تذكر هذه النظرة للدكتور شميل بين قراء العربية الذين هم أحوج إلى التذكر والاعتبار.
فإذا كان صواباً قول بعض الأدباء المازحين للدكتور:(إنك يا صاح نكبة على الناس، لأنك تخالفهم في كل ما يقولون). . . فأصوب منه جواب الدكتور على تلك التحية الجافية حيث قال:(إن كنت أنا نكبة على الناس لأنني أخالفهم فكم نكبة أعانيها وحدي من أولئك الناس وأنا واحد وهم ألوف؟)