للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العريقة في الحضارة. ونحن مع اعترافنا بأنها بلغت شأواً بعيداً في العلم والصناعة ونالت امتيازات جمة على سواها لا يجوز لنا أن نجهل أن هذا الكلتور الذي تفاخر به يجعلها عبدة لنظام حكومة يديرها فرد أو أفراد غير مسئولين حقيقة. وقط ما كان العبد أرقى من الحر. وإذا كان في علمها وعملها شيء كثير من الإتقان فإنك قلما تجد فيهما شيئاً من الابتكار، لأن العبد إذا كان أصبر على العمل فالابتكار من امتيازات الحر وحده. وإذا كنا نراها تتعمد الشر كثيراً لسواها وتستخدم علمها لهذه الغاية خلافاً للآخرين فلأن ذلك من أخلاق العبيد. ولولا أن تكون هذه الأخلاق غريزية في هذه الأمة لما مالأت إمبراطورها على جنايته الكبرى مع ما هي عليه من العلم، ولأدركت حينئذ أن الأمم التي قامت لتذلها وسعت لتبديدها لكي تحل محلها إنما هي أعضاء نافعة في جسم العمران، بل لعرفت أن نجاحها هي نفسها لا يتم لها بدون التعاون معها. . .)

إلى أن قال وما أشبه الليلة بالبارحة: (وليس الملام على الأمة الألمانية المتضامنة مع حكومتها في السراء والضراء مهما أساءت فهم مصلحتها بقدر الملام على مجموع الهيئة الاجتماعية التي يجب عليها أن تكون هي نفسها متضامنة لدفع الشر عنها وتوفير المصلحة لها عموماً، وهذا انحطاط في هذه الأمم وحكوماتها يخجل منه اليوم. فعوضاً من أن تهب جميعها هبة واحدة لنصر المجتمع والقبض على الجاني تركته يسرح ويمرح ويعيث في الأرض فساداً، وادعت الحياد كأن لا ناقة لها في ذلك ولا جمل، وزعمت أنها تستفيد من ممالأته، فشرعت تنصره في السر وهي تدعي العزلة في الجهر، وهو لو أتيح له النصر لما كان حظها منه إلا الإذلال؛ وكيف يكون غير ذلك وحظ حلفائه منه ليس أفضل. . . انظروا إلى حليفتيه العظيمتين النمسا وتركيا كيف أنه قبض عليهما بيد من حديد واستخدمهما لمصلحته دون مراعاة أقل مصلحة لهما، حتى لو أرادتا الانفصال اليوم عنه لما استطاعتا، كأنهما جزء من مملكته أو مستعمرة من مستعمراته)

وانتهى تأليف الرواية في نهاية شهر يونية سنة ١٩١٥ قبل انتهاء الحرب الماضية بأكثر من ثلاث سنوات، وقبل ظهور الهزيمة في صفوف الألمان بعهد بعيد، بل انتهت وهم منتصرون متقدمون، فإذا به يجزم بهزيمتهم ويصدق النبوءة حين يقول في لهجة الثقة واليقين:

<<  <  ج:
ص:  >  >>