بينهم مدة أطول من المدة التي أثمرت كتابه الطريف (عشرة أيام في السودان) لأظفر بمحصول نفيس في تقييد الأوابد من مكارم الأخلاق.
أقول هذا صادقاً، فما أذكر أبداً أنني رأيت ما أكره فيمن عرفت من السودانيين، فالسوداني مفطور على طيبة القلب، وهو يرى نكران الجميل من أفظع العيوب، وله بوارق من الذكاء تؤهله لاحتلال الصف الأول بين رجال الفكر إذا ظفر بالتوجيه الرشيد.
فمتى نعرف واجبنا نحو أدباء مصر الجنوبية؟
ومتى نفهم أن الأُخوة لها حقوق؟
أما بعد، فأنا أتأهب لكتابة سلسلة من المقالات عن الأدب الحديث في السودان، ولكن المصادر بعيدة مني، إلا شذرات قليلة قدمها إليَّ أحد أعضاء النادي السوداني بالقاهرة، وهي شذرات لا تحقق ما أريد، فماذا أصنع؟
كنت أتمنى أن تتاح فرصة لزيارة السودان والوقوف على أخبار الحياة الأدبية هناك لأحدث قراء (الرسالة) في جميع الأقطار العربية عن إخوان مجهولين حفظوا عهد العروبة والإسلام في بلد جميل، يغفُل عن جماله أكثر العرب والمسلمين.
كنت أتمنى أن أرى السودان، ولو في وقدة الصيف، لأقول لإخواني هناك: إن مصر لا تنساكم، ولن تنساكم، ولو ضُرب بينها وبينكم ألف حجاب.
فمتى أرى السودان؟ متى؟ متى؟
سأسارع فأراه في وجوه شعرائه وكتابه وخطبائه في حدود ما أصل إليه من آثارهم الأدبية، إلى أن يمنّ الله بزيارة أشرب فيها ماء النيل ممزوجاً بالطين، كما شربت ماء الفرات ممزوجاً بالطين، لأقول: إني ذقت رحيق النيل كما ذقت رحيق الفرات. متى أشرب أول كوب من النيل وأنا بنادي المعلمين في الخرطوم، كما شربت كوب من دجلة وأنا بنادي المعلمين في بغداد؟
لن أنسى أبداً كيف ذقت ماء دجلة أول مرة، ولن أنسى أبداً كيف رحلت إلى (الفلوجة) لأذوق ماء الفرات في طعمه الأصيل قبل أن ترفع عنه الأقذاء.
اللقاء قريب، يا أخواني في السودان، فسأتحدث عن أدبكم بعد أسابيع، على شرط أن تذكروا أن الخطأ يغلب في الحكم على المجهول، وقد قضت الأقدار بأن تكون أحكامي على