المكتب صوراً في أُطُر، فنظر إلى إحداها نظرة طويلة وقد علت وجهه مسحة من الحزن وهو ينظر إلى الوجه الجميل الذي يراه في الصورة ويوازن بينه وبين هذا الوجه الذي شهده في أيامه الأخيرة
وقد شوش عليه هذه الخواطر فتح الباب ودخول فتاة، فالتفت إليها ولاحظ أنها تتجاهله رغم ما كان بينهما من صداقة متينة منذ سنوات. فقال في نفسه: هل يحدث مرور سبع سنوات كل هذا التغيير أم لأن الخمس الأخيرة من هذه السنوات قد قضيتها في السجن؟
ثم دنت بيرتا فلاحظ اضطرابها وسألته: هل تريد مقابلتي؟ فلم يجبها، لأن اضطرابه كان أشد مما سبق فأعادت سؤالها: لماذا جئت إلى هنا؟
وكانت كلماتها تخرج ببطء وفي شيء من التردد. فمشى نحوها وقد خانه النطق، فقد كان منذ عهد طويل يحلم بهذه المقابلة، وكان قد أعد ما سيقوله في كل مرة فكر فيها في هذه المقابلة. ولكنه الآن لا يذكر حرفاً واحداً.
قالت: ماذا تريد؟ فأجابها: لقد جئت. . . ألم تلاحظي يا بيرتا أن حبي إياك لم يتغير بعد كل هذه السنوات؟
قالت بيرتا: لقد كنت أظن بعد حدوث. . . ثم سكتت فجأة كأنما أرادت أن تصوغ جملتها في أسلوب آخر. وقالت: لما كنت أعني بحبك لما كنت تستحقه. ولو أنك كنت تحبني حقاً لما هبطت هذا الهبوط.
فأصفر وجه رلف وعرته رعشة وقال: هل أنت تعتقدين إجرامي؟
فتراجعت بيرتا قليلاً وقالت: ماذا كنت أعتقد غير ذلك؟ إن القرائن كلها ضدك وأنت لم تدافع عن نفسك أي دفاع؛ وقد حاولت أن أفهم كيف لا تكون أنت المجرم؟
فمشى رلف في الغرفة ذهاباً وجيئة وهو مفقود الصبر، ثم وقف أمامها فجأة وقال: أقسم بشرفي أني لم آخذ المال، وأنت تقولين أنك تحبينني، ولكنك تعتقدين أني مجرم؛ وأنا أقسم بشرفي أني بريء يا بيرتا.
ثم قال بلهجة مؤلمة: لقد قضيت خمسة أعوام في الجحيم؛ ولكن آلامي في هذه المدة لا تذكر بجانب الآلام التي أعانيها في المستقبل إذا أنت طردتني.
لم تجبه بيرتا وكانت في أعماق نفسها تعرف أنها تحب الرجل ولكن شبح الجريمة المنكرة