للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مشاهدة تجريبية مستقلة.

وفي ساعة من ساعات التجلي السماوي، تنبه وليم جلبرت من أهالي كلشستر بإنجلترا، إلى أن الكهرباء (الكهرمان) المدلوكة بالصوف تجتذب خفاف القش، وقصاصات الورق، وكان جلبرت ذكي الفؤاد بحاثة، فجرب وجرب، ووضع أساس كل ما نعرف اليوم عن الكهرباء، وما ننعم به من مخترعاتها وبدائعها ومعجزاتها، فكشف الكهرباء أيضاً لم يكن قائما على نظرية علمية سابقة، بل كان مشاهدة تجريبية مستقلة.

القول إذن بأن مخاطبة الأرواح لا تقوم على أساس علمي هو على الأقل قول غامض. أما بقية الاعتراضات فليس لها من الخطر ما لهذا الاعتراض الأول. وهي تفاصيل لا أرى التعجل بالخوض فيها، ولعلها تتعلق بالأرواح ذاتها، وما تستطيع وتحب أن تفعله وما لا تستطيعه أو لا ترى في فعله خيرا. وإذا انجلت هذه البحوث عن إثبات علمي لوجود العالم الروحي، وعن تقوية للأيمان بأوتاد من العلم اليقيني، فكفى بذلك نفعا، بل ذلك هو النفع كله، وهو اللباب الدسم، أما ما زاد عليه فألياف تافهة.

هذا الاعتراضات إذن قد أدلى بها على عجل. ولكن كما أنها لا تذهب بعيداً في نفي دعوى المخاطبة فكذلك ردودي هذه لا وزن لها كإثبات لصحة الدعوى. إذ الحقائق العلمية لا تقوم على الجدل الكلامي، وإنما الوسيلة إليها هي البحث التجريبي.

فهل ثمة بحث تجريبي جدير بالاعتبار يجري في هذا الموضوع؟ في العواصم بأوربا وأمريكا مجامع لهذا الغرض، أعضاؤها من المثقفين المفكرين، بينهم المحامي والطبيب والمربي والموظف والصحافي والأديب، وعدد صغير من أساتذة الجامعات وأفراد من العلماء الأفذاذ. تستحوذ هذه المجامع على وسطاء

يزعمون فيهم الإخلاص وطهارة الطوية، ويدونون تجاربهم في سجلات، وينشئون لإذاعتها المجلات. وقد يختلفون في تفسير الظواهر، ولكنهم مجمعون بادئ ذي بدء على صحتها، وانتفاء الدجل منها، وأنها مفتاح ما استغلق من خصائص العقل البشري ومدى علاقته بمحيط المادة

ولكن جمهور المفكرين لن يطمئنوا تماماً إلى حكم هيئات كهذه في موضوع خطير كهذا. قد يسلم الجمهور بأن في الأمر ما يستحق البحث، ولكن البحث الذي يرضيه يجب أن يكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>