وهذا إلى معنى ثالث متصل به. . . وهكذا دواليك حتى تصل الكلمة أحياناً إلى معنى بعيد كل البعد عن معناها الأول. فكلمة مثلاً كانت تطلق في المبدأ على صنف خاص من الأقمشة الصوفية ثم أطلقت على غطاء مائدة المكتب لاتخاذه غالباً من هذا الصنف، ثم أطلقت على مائدة المكتب نفسها، ثم أطلقت على مقرّ العمل والإدارة لملازمة المكتب له. فلا علاقة مطلقاً بين أول مدلول لهذه الكلمة وهو القماش الصوفي وآخر مدلول لها وهو مقر العمل والإدارة، على حين أن العلاقة وثيقة بين كل معنى من المعاني التي اجتازتها والمعنى السابق له مباشرة
٢ - أنه يحدث من تلقاء نفسه بطريق آليّ لا دخل فيه للإرادة الإنسانية. فسقوط علامات الإعراب في اللهجات العربية الحاضرة، وتغير أوزان الأفعال، وتأنيث بعض الكلمات المذكرة، وتذكير بعض الكلمات المؤنثة، وجمع صفة المثنى، وتأخير الإشارة إلى المشار إليه، وتزحزح كثير من المفردات عن مدلولاتها الأولى إلى حقائق جديدة. . . كل ذلك وما إليه قد حدث من تلقاء نفسه في صورة آلية لا دخل فيها للتواضع أو إرادة المتكلمين
٣ - أنه جبريّ الظواهر لأنه يخضع في سيره لقوانين صارمة لا يد لأحد على وقفها أو تعويقها أو تغيير ما تؤدي إليه. وإليك مثلاً حالة اللغة العربية، فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلت في سبيل صيانتها ومحاربة ما يطرأ عليها من لحن وتحريف، ومع أن هذه الجهود كانت تعتمد على دعامة من الدين، فإن ذلك كله لم يحل دون تطورها في القواعد والأساليب ودلالة المفردات إلى الصورة التي تتفق مع قوانين التطور اللغوي فأصبحت على الحالة التي هي عليها الآن في اللهجات العامية
٤ - أن الحالة التي تنتقل إليها الدلالة ترتبط غالباً بالحالة التي انتقلت منها بإحدى العلاقتين اللتين يعتمد عليهما تداعي المعاني ونعني بهما علاقة المجاورة والمشابهة. فتارة يعتمد انتقال الدلالة على علاقة المجاورة المكانية، كتحول معنى ظعينة (معناها في الأصل المرأة في الهودج) إلى معنى الهودج ومعنى البعير؛ وتحول معنى ذقن في عامية المصريين إلى معنى اللحية، وتحول معنى من غطاء المكتب إلى المكتب نفسه، وكتأنيث الرأس في عامية بعض المناطق المصرية (انتقل إليه التأنيث من الأعضاء المجاورة له وهي العين والأذن). . . وهلم جرا. وتارة يعتمد على علاقة المجاورة الزمنية، كتحول