معنى الوغى إلى معنى الحرب، بعد أن كان معناها اختلاط الأصوات في الحرب (فلا يخفي أن العلاقة بين هذه الأصوات والحرب هي علاقة المجاورة الزمنية)؛ وكتحول معنى العقيقة (هي في الأصل الشعر الذي يخرج على الولد من بطن أمه) إلى معنى الذبيحة التي تنحر عند حلق ذلك الشعر. وكتذكير كلمة (فصل الصيف) التي كانت مؤنثة في الأصل لمجاورة مدلولها مجاورة زمنية لمدلول كلمة مذكرة وهي فصل الربيع. وتارة يعتمد على علاقة المشابهة، كتحول معنى الأفن (وهو في الأصل قلة لبن الناقة) إلى معنى قلة العقل والسفه، وتحول معنى المجد (وهو في الأصل امتلاء بطن الدابة من العلف) إلى معنى الامتلاء بالكرم. . . وهلم جرا
٥ - إن التطور الدلالي في غالب أحواله مقيد بالزمان والمكان. فمعظم ظواهره تقتصر أثرها على بيئة معينة وعصر خاص. ولا نكاد نعثر على تطور دلالي لحق جميع اللغات الإنسانية في صورة واحدة ووقت واحد
٦ - أنه إذا حدث في بيئة ما ظهر أثره عند جميع الأفراد الذين شملتهم هذه البيئة. فسقوط علامات الإعراب في لغة المحادثة المصرية لم يفلت من أثره أي فرد من المصريين
ومن هذه الخواص يتبين فساد كثير من النظريات القديمة بصدد هذا التطور
فليس بصحيح ما ذهب إليه بعض العلماء من أن هذا التطور نتيجة لأعمال فردية اختيارية يقوم بها بعض الأفراد وتنتشر عن طريق المحاكاة
وليس بصحيح كذلك ما ذهب إليه أعضاء المدرسة الإنجليزية وبعض الباحثين من الفرنسيين كالعلامة بريال إذ يرون أن التطور الدلالي يسير باللغة نحو التهذيب والكمال ويسد ما بها من نقص ويخلصها مما لا تدعو إليه الحاجة. وذلك أن اتجاهات كهذه لا يمكن أن تتحقق إلا في تطور اختياري مقصود تقوده الإرادة الإنسانية في سبيل الإصلاح. أما وقد ثبت أن التطور الذي نحن بصدده تطور تلقائي آلي لا دخل فيه للإرادة الإنسانية فلا يتصور أن يتقيد في اتجاهه بالسبل التي تقول بها هذه النظرية. وإن موازنة بين الحالة التي كانت عليها اللغة العربية فيما يتعلق بدلالة ألفاظها وقواعدها في الإعراب وغيره وما آلت إليه في اللغات العامية الحاضرة لأكبر دليل على ما نقول؛ فمن الواضح لان هذا التطور لم يتجه دائماً نحو التهذيب والكمال، بل أدى في معظم مظاهره إلى اللبس في دلالة