وما حاجتنا إلى أن نستمد من عالم غير مرئي حججاً إن رآها شخص فسوف لا يراها آلاف؟ مع أن ما بين أيدينا وما خلفنا مليء بالعجائب التي يراها كل فرد، ويخضع للمنطق المستمد منها كل سليم الطبيعة غير شاذ ولا شارد. (وكأيٍّ من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون)
فنحن نستطيع بجهد فكري قليل أن نأخذ من هذا العالم المادي الظاهر أدلة كثيرة على أن وراء عالماً آخر بل عوالم أخرى مجردة من قيود حياتنا هذه ولو لم نر من ذلك شيئاً. . . فإن الرؤية ليست هي الطريق الوحيد إلى التصور والحكم.
والنظرة العلمية المبنية على إدراك قانون الترقي وقوة التطور تبين لنا أنه ما دام قد وقف الإدراك بواسطة جسم من الأجسام عند حد الإنسان بعد أن تدرج إليه في سائر أنواع الحيوان، فينبغي أن يكون وراء الإنسان أفق حياة عاقلة أخرى هي بطبيعة سلم الترقي مجردة من الأجسام. وكما أن هذه الآثار والمشاهد البارعة التي نراها في العالم المادي نتيجة لعوامل خفية نوعتها وشكلتها فلا بد أن يكون في غير الأرض آثار ومشاهد أخرى هي نتيجة لعوامل ونواميس أخرى غير التي كان من نتائجها ظهور عالمنا الذي ندركه بحواسنا. وهذا هو اللائق باتساع الكون الذي أرضنا فيه كذرة رمل في صحراء. فلا يصح أن تكون أساساً في الحكم على جميع ما فيه.
وهذا حكم نحكمه خضوعاً للفرضية الآتية التي تحل لنا هذا الإشكال وإن أوقعتنا في غيره. . .:
تخيل إنساناً خرج إلى الحياة أعمى أصم أبكم معدوم اللمس والشم. . . فهل مثل هذا يكون لعالمنا وجود عنده؟ بالطبع، لا. . . ولكننا مضطرون إلى أن نحكم أن عالمنا هذا موجود ولو لم يوجد في حواس هذا الممسوخ. . .
وكذلك نحن مضطرون إلى أن نحكم أن وراء عالمنا هذا عوالم أخرى، ولو لم توجد لنا حواس تدركها. . . لأن هذا هو الذي يتلاءم مع اتساع الكون واتساع قدرة المسيطر عليه، واتساع عالم المفروض والصور في بعض العقول.
وقد أشار القرآن إلى معنى عجيب يتفتح معه خيالنا ويأخذنا في عالم لا نهاية له من