ولا يعطونها إلا أقوالاً وأشعاراً، ويقفون في طريق تحقيق بعض الغايات الكبرى من خلق الإنسان
هؤلاء لا تزال منهم بقايا كثيرة في الشرق، بل هم الكثرة الغالبة فيه. وهم الذين جعلوا إنسان الشرق كأكداس الحصيد وأهراء الغلال التي تترك في أماكنها حتى تقتلها الآفات وينخر فيها السوس. . . وهم بذلك يضيعون على الإنسانية ثروات تحصل عليها من تشغيل أفكار هؤلاء الملايين وأيديهم. وهم بذلك يتركون أفراد الناس من غير تنسيق وتنظيم في الحشد والتعبئة للمعابد والمعاهد والمعامل والحقول والجيوش. . .
هؤلاء ينبغي أن زيلوا عن عيونهم غشاوات القرون الأولى ويعدلوا أفكارهم على مقتضى ما توحيه سنن الله الدقيقة التي تجعل من تصرفات جميع قوانين الطبيعة في وقت واحد لحناً موسيقياً متسقاً يشترك في توقيعه كل شيء. . . ويعلموا أن الكفر بعلوم الطبيعة والفسق عن نظمها كالكفر بعلوم العقائد والفسق عن نظم الأخلاق
إن الإيمان بالعلم وتنظيم الحياة الإنسانية بطرقه وإطلاق الأفكار فيه هو الدين الواحد الذي يدين الإنسانية جميعها وتلتقي عليه بأفكارها وأيديها. . . وقد جعلها تلمس عرشها المرموق، وتعرف دولتها المأمولة في مستقبل الحياة. . .
ولكن أين العصا السحرية التي ستفعل في تعديل شهوات الأمم وغرائزها وتعصباتها الذميمة، بحيث تجتمع على خدمة العلم والحياة بأفكارها وأيديها؟
ذلك ما يسأل عنه رجال التربية والمفكرون في الدين والاجتماع
رجال التربية فلاحو حقول الطفولة: منطقة النمو الدائم وعُلَب أسرار المستقبل. . .
ورجال الفكر رسامو المثل العليا القادرون على استدراج الناس إليها وسجنهم فيها. . .
ولكن هؤلاء وأولئك لا يزالون بعيدين عن مقاليد الحكم وتسلم مقاود القطيع بينما مكانهم هناك لو صحت الأوضاع. . . ولا يزال محترفو السياسة والدجاجلة بها المتخلفون عن بلوغ القمة في الفكر والخلق هم الغالبين المتسلطين. . .
وهؤلاء هم سر البلاء النازل الآن بالناس، كما كانوا في القديم. . .