المختلفة تحديداً علمياً دقيقاً للاستفادة منها في وضع المعاجم التي نص عليها في أغراض المجمع؛ أما المعجم التاريخي، فيجب أن يتناول تطور اللغة على العصور إلى وقتنا الحاضر، وأن تكون الألفاظ العربية السليمة التي يصطنعها الناس في أحاديثهم وخطبهم وكتاباتهم بعض هذا الذي يتناوله
أيها السادة: إن هذا الذي قدمت صحيح في نظري كل الصحة، واضح كل الوضوح. لذلك كان عجبي ولا يزال شديداً ألا يفصل من تاريخ اللغة وآدابها في معاهدنا شيء فيما وراء العصر العباسي ولم يدرس الأدب الحديث إلا من عهد قريب، وعلى نحو لا يزال بدائياً غير متصل بما سبقه من تاريخ الأدب واللغة. ولقد لاحظت منذ سنوات على المعجم التاريخي للدكتور فيشر، وهو المعجم الذي يعني المجمع بطبعه الآن، أنه لا يتناول إلا العهد الأول من صدر الإسلام، وكنت قد فهمت يومئذ أن هذا المعجم سيضاف إليه ما يتم الغرض منه بتناول تاريخ اللغة إلى وقتنا الحاضر. ولا أظن أحداً يخالفني في أن ما دون كتب الفقه والأدب والفن والعلم في العصور المختلفة يجب أن يكون بعض هذا التاريخ، ولا أظن أحداً كذلك يخالفني في أن الألفاظ العربية الأصل مما تتناوله لهجات العصر الحديث تدخل في نطاق هذا التاريخ
أيها السادة: إنني أعتبر هذا العمل أساسياً لتلائم اللغة حاجات الحياة في العصر الحاضر. فاللغة اليوم ملك مشاع للجميع. يقرؤها الناس في الصحف، ويسمعونها في الإذاعة، ويخطبهم بها الخطباء، ويتلونها في الكتب. لم تبق وقفاً على القارئين والكاتبين ممن تثقفوا ثقافة لغوية عالية، بل صارت أداة التفاهم في هذا العصر الكثير الحاجات والمطالب، والذي يسر للناس من كل الطبقات أن يقفوا على السر من كل شيء، لا تختص فئة منهم دون الأخرى، بما يزاول الناس من علم وفن وأدب وصناعة وتجارة. فكلما تيسرت اللغة للناس، وكلما شعر الطالب في دور العلم بأنها لا تقف عقبة في سبيل المعرفة التي يبتغي النهل من وردها كانت الأداة الصالحة للغرض الذي وجدت اللغات من أجله. بذلك يحب الناس اللغة ويرون جمالها في بساطتها، وفي وضوحها وفي تكشفها غير محجوبة بحجب التعقيد الذي يحتاج دراسة السنوات الطوال لحل رموزه وتبين أسراره.
أيها السادة: هذا ما تيسر لي أن أحدثكم اليوم فيه. وهو بعض ما نطلب به في هذا المجمع