وتقرأ هذه الصحف والمجلات والكتب، بشغف أكثر من شغفها حين تقرأ الكتب القديمة. أفيقال مع هذا أن في هذه الخطب والمرافعات والصحف والكتب ألفاظاً عامية لا يجوز أن تكون في معجمات اللغة؟ أم الحق أنه يجب علينا ألا نهمل هذه الثروة اللغوية الحية، وأن نسجل منها كل ما يتفق مع ذوق العربية وأقيستها، وأن ما نقوم به من ذلك هو الذي يجعل اللغة لغة الحياة تسير معها وتتطور بتطورها؟
وأذهب إلى أبعد من هذا. إن في اللهجات العامية للبلاد العربية المختلفة لقدراً عظيما من الكلمات المشتركة، والتي يمكن أن ترد إلى أصل عربي دون حاجة إلى أكثر من تقويمها بعض التقويم. وهذه ثروة ضخمة تقابل حاجات الحياة وتعبر عنها أصدق تعبير. مع ذلك درجنا على التنكر لهذه الألفاظ والعبارات، وعلى اعتبارها مبتذلة لا يجوز للمتكلم الفصيح، أو للكاتب البليغ، أن يكتبها أو يتكلم بها. أما وقد انحدرت هذه الألفاظ إلينا من العرب الأولين الذين نزحوا إلى مصر وإلى غير مصر من البلاد العربية، فلست أدري لم تكون مبتذلة، ولم لا تدخل في معجماتنا وفي كتاباتنا وخطاباتنا، وفي مصطلحاتنا المختلفة؟ السبب الوحيد في نظري هو أننا نريد أن تكون اللغة وقفاً على طائفة خاصة، وأن تكون لها من أجل ذلك أسرار تغيب عن الكافة، كما أراد الكهنة في عهد الفراعنة أن يجعلوا حقائق الدين سراً موقوفاً على طائفتهم، وأن يدعو للناس من الزيف ما يتنزهون هم عنه، وما يسخرون منه
أيها السادة: إن ما أطالب به المجمع من إقرار ما يجوز إقراره من هذه الألفاظ المتداولة في الكلام وفي الخطابة وفي الكتابة بعد رده إلى حدود اللغة السليمة هو ما تقوم به مجامع اللغة في بلاد العالم أجمع، وهو ليس بدعاً في لغتنا العربية منذ عهدها الأول؛ والمادة الثانية التي حددت أغراض مجمعنا تطالبنا به، فهي قد نصت على أن يقوم المجمع بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وأن ينظم دراسة علمية للهجات العربية الحديثة؛ وهذان الأمران يتصلان أوثق الاتصال. فاللهجات الحديثة تشتمل كما قدمت على قدر عظيم مشترك من الألفاظ والعبارات العربية، كما أنه قد اندس إليها بحكم الحوادث التاريخية واختلاط الأمم العربية بشعوب أجنبية عدد عظيم من الألفاظ غير العربية. فالدراسة العلمية المقصودة هنا، والتي تتفق مع مهمة المجمع، لابد أن يكون مرماها تحديد الألفاظ العربية في هذه اللهجات