أيها السادة: إن الغرض الأساسي من إنشاء هذا المجمع إنما هو جعل اللغة العربية ملائمة لحاجات الحياة في عصرنا مع المحافظة على سلامتها. هذا الغرض يتضح جلياً في المذكرة التي وضعها المجمع اليوم بين أيدينا، فكل ما بذل من جهود الأفراد والجماعات في أمر اللغة من عهد محمد علي الكبير إلى اليوم قد توخى هذا الغرض. وقد سجل مرسوم إنشاء المجمع هذا الغرض في المادة الثانية منه تسجيلاً صريحاً. ولكي تلائم اللغة حاجات الحياة في عصر من العصور يجب أن تكون صورة صادقة لكل ما تتناول الحياة في هذا العصر. ويجب أن تكونَ سليقة للمتكلمين بها والكاتبين لها، ويجب أن تكون بذلك أداة التفاهم بين هؤلاء جميعاً تفاهماً يتم في غير عسر ولا مشقة. ويجب لذلك أن يكون القدر المشترك منها بين الجميع، من الصبي الناشئ إلى العالم الكبير، ومن ربة البيت في أهلها إلى المتحدث في الفنون والعلوم والآداب. يجب أن يكون عظيماً بحيث ييسر هذا التفاهم ويجعله في متناول الجميع؛ فلا يقع خلاف بينهم فيه بسبب اللغة وألفاظها وإن أمكن أن يقع بسبب تفاوتهم في الثقافة. وكل جهد يبذل لزيادة القدر المشترك تيسيراً للتفاهم المتبادل، يدني من الغرض الذي تنشأ مجامع اللغة لتحقيقه
إذا كان هذا صحيحاً، وأعتقد أنا صحته، وجب ألا نتقيد في جعل لغتنا ملائمة لحاجات عصرنا بالحدود التي وضعت في عصر العباسيين أو في عصر الأمويين، أو في الجاهلية، لحاجات عصرهم. فإذا أردنا أن نضع معجماً يغني المثقف الوسيط، ويغني الطالب الثانوي، وجب مع محافظتنا على سلامة اللغة ألا نهمل تطورها إلى حيث وصلتنا اليوم، ووجب أن ندرس بعناية هذا التطور في لغة الكتابة وفي لغة الكلام
لقد رأى العالم العربي في كل العصور، إلى عصرنا الحاضر، خطباء اهتزت لبلاغتهم المنابر، ومحامين كانت مرافعاتهم مثلاً عالياً للبلاغة القضائية، وكتّاباً في الصحف وفي المجلات ومؤلفين قدرهم أهل هذه الأمم أسمى التقدير. هذه الخطب، وهذه المرافعات، وهذه الكتابات على اختلاف أنواعها وعصورها، تصور تطور اللغة، فلا سبيل إلى إنكارها. وهذه الخطب والمرافعات والصحف والمجلات والكتب تحوي قدراً مشتركا عظيما جداً من ألفاظ اللغة وتراكيبها! ومن أساليبها التي تتفق مع تصور الناس للحياة في هذا العصر؛ وأبناؤنا في المدارس، وجماهيرنا المثقفة تثقيفاً وسطاً، تستمع إلى هذه الخطب والمرافعات،