للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ما ورث فلم يشعر بقيمة ملكه حتى ذهب عنه كما جاء إليه. ثم سألته عن مصير هذا الضياع فقال أخذها الخواجة خريستو تاجر القطن. وأحزنني أن يمتلك مثل خريستو من ثري هذا الوادي أرضاً أولى بها بنوه، أرضاً كانت تكفي لأن يعيش عليها أكثر من مائتي أسرة من تلك الأسر التي تكدح صابرة في وهج الشمس وتسقى بعرق جباهها تربة وادينا ولا تمتلك الواحدة أكثر من فدانين أو ثلاثة فدادين.

وسألته عن شعوره إذا مر اليوم بهاتيك الضياع. ولشد ما أدهشني قوله إنه لم يرها كلها، وأنه لا يعلم إلا موضع ما كان يحيط بقصره منها؛ فلقد كان أمر زراعتها وتعهدها مفوضاً إلى نظاره الثلاثة الذين يمتلك الواحد منهم اليوم ما لا يقل عن ثلاثين فداناً، من أرض أجداده.

وكان مجلسنا هذا في دكان بدال. ولما هم البك بالانصراف طلب من التاجر أشياء ولكن التاجر نفي وجودها عنده. فلمحت عينا البك بعض الأصناف المطلوبة على رف من الرفوف فأشار إليها قائلاً: (أمال إيه ده؟) وأجاب التاجر بأن غيره دفع ثمنها وسيرسل في طلبها. وضحك صاحب السلطان ضحكة مُرَّة وهو يهز رأسه قائلاً: (هيه. . . طيب! السلام عليكم) ثم خرج وتنفس التاجر الصعداء.

واتجه إلينا ذلك التاجر وقال في لهجة اعتذار: إن قريبه فلان بك الذي ينفق عليه أمره إلا يعطيه شيئاً إلا بإذن كتابي قال: (دا مسكين ضيع كل ما يمتلك في المكيفات، اللهم احفظنا وباع عفش بيته. وهل تاب بعد كده؟ لا، دا صنف لا يستحق النعمة).

ومضيت وفي نفسي كلمة التاجر الأخيرة وأنا أحدث النفس قائلاً كم ذا بمصر من هذا الصنف الذي لا يستحق النعمة!

الخفيف.

<<  <  ج:
ص:  >  >>