أيْهاً لعيني أن تُخفي لها أثراً ... وتلك ثائرة من واكف الشجنِ
كم دمعةٍ سكَبَتْهَا النفسُ وا أسفي ... فبلَّلَتْ وتراً أوفى ولم يخنِ
لم تستطع زفرات منكِ صاعدةٌ ... تجفيفها، فحكت طلاَّ على فَنَنِ
إن الربابة لم تُمنح مُكلَّلةً ... بالسر والناس في هذى الدنا التعِسه
إلا لتسكين آلامٍ لنا انتشرت ... حيث الدموع من الآماق منبجسه
ما كل ما يرسل الأنغام مُشْجيةً ... إلاّ يردد آلاماً وآمالاً
أما السعادة لم ينطِق بها وترٌ ... بل حالف الصمتَ تلو الصمتِ أجيالا
أحلى الأغاني أغانٍ طاب مسمعها ... من بلبلٍ ناحبٍ أو شاعر باكٍّ
تحت الظلال على قبر توسده ... أعز خدنٍ يناجي روحَه الشاكِي
ربابتي، أنتِ مثلي سرتِ في أثري ... حزيتةَ الصوتِ والإنشادِ والنَّغَمِ
لم تمتزج قط بالأنغام يُنشدها ... أهل السعادةِ والإقبالِ والنعم
بغصن صفافة في الشط عالقة ... طليقة كطيور الغاب في الأيك
أبت يدي لكِ رَبطاً كالأسير على ... أبواب قصر عظيم أو حِمَي مَلْك
لم تُلهمي أبدا في أي آونةٍ ... ثوائر النفثِ تعزيزاً لذي حزب
فأنتِ قد فقت طهراً كل خاطرةٍ ... ولم تداعبكِ إلاّ نفثة الحب
قد قُطِّبت جبهتي يوماً لكارثة ... هوجاَء عاتية من قسوة القدر؟
كلا، بفضلك لم أجزع لصدمتها ... ولم أبالِ بما ألقاه من خَطرِ
وأينما ذهبت نفسي سمعتُ صدىً ... من السماء لصوتٍ حين تبعثه
نفسي الغريبة فوق الأرض ما برحت ... تُصغي لما دَأب الإلهام ينفُثُهُ
على الربا حيث يبدو للرقيب إذا ... لاح النهار كما لو فوقها بزغا
إذ كنتِ في صحبتي كيما أرددَ ما ... نظمتُ في مدح معبودي له صِيَغا
ما كان أول إشعاعٍ يُفيق بها ... إلا وقد فتر الإنشاد أو فرغا
كم كنتِ تُلْقين بالأنغام موحشةً ... على هدير حبالِ الفلك والموجِ
وقد بدا البرقُ خلاَّباً بزرقَتِه ... يخبو ويسطع عَبْرَ الأفق في الأوجِ
وكنتِ مثل طيور العاصفات تُرى ... محلِّقاتٍ على الأمواج في البحرِ