للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكدتِ أن تلمسي من فوقها زَبَداً ... يهبط ويعلو من المد والجزرِ

تلك التي طالما استرعت مناظرها ... مرآي قد حالفت أنغامها نَغَما

تنهُّداتك مع أصواتها امتزجت ... فكان رجع صدى الحنين منسجما

وطالما ارتعشت شجواً حبائلها ... القاتمات علتها نفثتي الرخوة

تحكي ارتعاشاً عرا الأوتار من سُجن ... أناملي حرَّكت في روحها النشوة

ربابتي! ربما ألقاكِ بعدُ، متى ... رأيتِ يوماً نذير الموت يقتربُ

تليه غاشيةُ الأحلام موحيةً ... من السماء أموراً ما بها لَعِبُ

تكون قد بعدت عنا الحياة كما ... لو أصبحتِ ذكرياتٍ مهدها الكتبُ

وإذ يعود شباب الخلق ثانيةً ... يحفه طائف حلو لنسيان

قد ينحني المرء أوقاتاً عليكِ ففي ... رنينِكِ العذبِ تلطيف لأحزان

وهذه الريح إذ تجري محلقةً ... من فوق أرواحنا في برزخ العدم

تهب في الفجر أحياناً مُبَكِّرَةً ... كما تهب بَيَاتاً هبَّ مُخترم

وكم يوق لها إمعانها عبثاً ... بشعر ريحانةٍ أو ذقن ذي هرَم

إيهاً للحية هوميروس تحجبها ... قُطَاعةٌ من جليد عن ذوي النظر

وكأن لمع شعاع الفكر مؤتلقاً ... يعيد نوراً خبا من قبلُ في البصر

ألم يكن ملتن البصر الأعمى بذي بصر ... فكم جلا غيهباً في حومة الفِكَر؟

ألم تحم حول عيني ملتنٍ طُرَفٌ ... من رائع الحب والآمال والصور؟

تحكي الفراشة حامت قبل أن هبطت ... على فلورا التي تهوَى على الأثر

يبدو وميض جناحيها كبارقةٍ ... أضاءها شَفَق وضّاءُ كالشرر

ربابتي، ربما تأتين قاصدةً ... زيارتي بينما الميعاد لم يَحِن

فتمتطين مياه البحر طافيةً ... من شاطئ لسواه طفو متّزن

أكون قد غالبتني موجة فقضت ... على حياتي غريقاً ماؤها كفني

وغيَّب اليم صوتي تحت لجَّته ... فضاع لحن شَكاتي فيه من زمن

وقد نأي بي مصيري في غياهبه ... عن السموات، إن الهجر يؤلمني

كعُشبة البحر تحت الماء شاردة ... وقد رمى الموج عَظمى رمي مُمْتَهِن

<<  <  ج:
ص:  >  >>