ولو أننا نظرنا إلى كبار الممثلين المضحكين لوجدنا أنهم يتعمدون اخطأ على هذا المنوال، ويتبعون أسلوباً في وضع الأمور في غير مواضعها يتنوع ويختلف على حسب أمزجتهم وملكاتهم ولكنه يلتقي في خلة واحدة وهي اختلال القياس
فلوريل وهاردي مثلاً قد أُدخلا السجن في إحدى رواياتهما ثم استطاعا الإفلات منه ونعما بالسكر والنزهة وهما مفلتان، فلما طاردهما الحراس في الطريق هربا إلى باب السجن يلتمسان الخلاص هناك: قياس منطقي لا شك فيه، ولكن النقص فيه ظاهر للمتفرجين وإن لم يظهر للممثلين على حسب الدور الذي كانا يمثلنه
وشارلي شابلن قرأ فلسفة الضحك للفيلسوف برجسون قبل أن يمثل لنا الإنسان الآلي الذي يأكل بالعدد المتحركة في روايته (أنوار المدينة)، وكذلك لاحظ هذه الفلسفة على ما نظن في الكلمات التي كان يغنيها بغير معنى ولا وحدة في بعض مواقف تلك الرواية، لأن مذهب برجسون أن سبب الضحك هو تصرف الإنسان كما تتصرف الآلة، بغير تمييز بين المتفقات والمختلفات، وبين ما يقتضي التغيير وما ليس يقتضيه
وهذا مذهب مطابق لما أسلفناه من تعليل الضحك باختلال القياس أو الاطراد على نسق واحد لا يوجب الاطراد
رجل دخل السجن مرة فهرب وسكر وطرب فهو يحسب كل دخلة إلى السجن منتهية إلى هذه النتيجة، ويمضي على هذا السنن كما تمضي الآلة التي تأتي بحركة واحدة ولا تقدر على تغييرها إذا تغيرت الدواعي والموجبات
فاضحك إنما هو سلاح الإنسانية للمحافظة على المرتبة التي وصلت إليها فوق الجماد وفوق الحيوان، ومن هنا استحال على الحيوان أن يضحك لأنه لم يصل إلى هذه المرتبة وليس عنده من التمييز ما تستدعيه
ومذهب برجسون هذا هو جزء متمم لفلسفة كلها في حقيقة التطور وحقيقة المادة والفكرة، فهي تركيبة شاملة يفسر
بعضها بعضاً ويقوم الدليل من إحدى نواحيها على إثبات سائر النواحي. وله براعة في هذا التوفيق مع سهولة في
التعبير لم يرزقها فيلسوف حديث بعد (شوبنهور) الذي انفرد بهذه المزية بين فلاسفة