وللقارئ أن يراجع النكات أو المواقف التمثيلية التي أضحكته ليعرضها على هذا المذهب، فهو واجد فيها لا محالة تصرفاً هو أشبه بحركة الآلة منه بتمييز الإنسان الناطق، أو واجد فيها شيئا من وضع الأمور في غير موضعها وقياسها على غير مقياس صحيح
ومن أمثلة ذلك تلك النكتة التي تروى عن ظريف من أبناء البلد يقول عن أحد الأطباء إنه يعلق مريضاً على باب المستوصف!
فذلك الطبيب على حسب هذه النكتة يرى أن أصحاب الدكاكين يعلقون على وجهاتها نماذج مما يعملون فيه، وهو يعمل في المرضى ويستمد منهم تجارته، فلماذا يا ترى لا يعلق مريضاً على باب دكانه؟
وهذا هو التصرف الآلي كما يقول برجسون، أو هذا هو القياس بغير المقياس الصحيح
ومن أمثلة ذلك (حانوتي) في إحدى الروايات الهزلية التي عرضت بمسارحنا المصرية يملأ جيوبه بالمناديل المطوقة بالسواد ليقدمها إلى الباكين من أهل الموتى على سبيل الإعلان (عن المحل)!
فالتصرف في هذا الموقف كتصرف الطبيب المزعوم، والقياس هنا كالقياس هناك
ومن الواجب أن نفرق بين موضوع الضحك وبين شعورنا الذي نواجه به الإنسان المضحك، فإنهما شيئان منفصلان كل الانفصال كانفصال حقيقة الجمال عن شعورك أنت بالإنسان الجميل
فنحن نعطف على الطفل الذي نضحك منه، ونزدري الرجل الكبير الذي يصنع مثل صنعه، وننفر من المغرور المكابر الذي يبعث الضحك والسخرية، ونألم للمريض الذي يخطئ كما يخطئ الأطفال وأشباه الأطفال، وما من إحساس من هذه الأحاسيس داخل في طبيعة الضحك وحقيقته الفلسفية، بل هو عارض يلازم الضحك أو يفارقه ويكون عند هذا الإنسان على خلاف ما يكون عند غيره: فقد يؤلمني ما يوجب الازدراء عند الآخرين؛ وقد تغتبط لرؤية العدو في موقف السخرية وتأسى لرؤية الصديق في ذلك الموقف بعينه
إن نعي برجسون لم يذكرني فلسفة الضحك وحدها بل ذكرني أموراً كثيرة منها ما يحزن ومنها ما يبعث الرجاء